ترف صحي!
خاص غلوبال ـ علي عبود
لانبالغ بالقول إن الصحة تحولت إلى ترف لملايين العاملين بأجر إلا إذا تعلق الأمر بأطفالهم فهي تتحول في حال مرض أحدهم إلى أولوية قصوى حتى لواضطروا للاستدانة من الأقارب أو الأصدقاء.
نعم، لانبالغ بأن ملايين السوريين مهما ساءت حالتهم الصحية لايلجؤون حتى للمشافي أو المراكز الحكومية إلا في حالات الضرورة القصوى، طالما أنهم لايملكون ثمن الدواء المطلوب للعلاج، فأجرهم بالكاد يكفيهم لأقل من الحد الأدنى لتأمين مستلزمات العيش.
مناسبة هذا الكلام ماكشفه نقيب الأطباء غسان فندي مؤخراً عن “أن نسبة الإنفاق الصحي في سورية لا تتجاوز 4 بالمئة من الدخل القومي”، وهذا الاكتشاف ليس مفاجئاً لأن حصة ملايين السوريين من الدخل القومي تكاد تكون معدومة، وبالتالي من الخطأ الجسيم توزيع نسبة الـ 4 % من الناتج القومي الذي يُنفق على الصحة على عموم السوريين مقابل نسبة تتراوح مابين 8% إلى 14 % في الدول الصناعية.
حسناً، قبل أن نقارن بين بلد أنهكته الحرب والعقوبات وبين بلدان متقدمة اقتصادياً..الخ. لنسأل أولاً: مانسبة الذين “يشفطون” الدخل القومي في سورية؟.
قد لانعرف النسبة بدقة، لكنها قليلة جداً، يمكن أن نرى أفرادها عندما يتعرضون لأي مشكلة أو أزمة صحية في المشافي الخاصة الراقية، وأغلبهم يُفضل العلاج خارج البلاد.
ولو لم توفر الدولة العلاج المجاني الكامل للأمراض المزمنة والمستعصية، وتحديداً السرطانات مع أدويتها الباهظة لتعرّض آلاف المرضى لانتكاسات خطيرة كانت ستتحوّل إلى كوارث اجتماعية لآلاف الأسر السورية.
وعندما يقول نقيب الأطباء “إن قيمة الإنفاق أقل من 100 دولار للفرد في السنة” فإننا نستغرب أن يُقارن ماينفقه السوري مع ماينفقه الأمريكي والأوروبي على الصحة، والذي وصل في العام الماضي إلى أكثر من 7222 دولاراً في الولايات المتحدة وإلى 5000 دولار في فرنسا، فهذه المقارنة لاتستند إلى أيّ منطق.
نظرياً إن الـ 100 دولار التي ينفقها الفرد السوري على الصحة سنوياً تعادل أكثر من رواتب أربعة أشهر، ونجزم إن مامن عامل بأجر يقوى على اقتطاع مثل هذا المبلغ لإنفاقه على الصحة التي أمست حالة ترفيه يعجز عن تأمين مستلزماتها، إلا في حال تعلق الأمر كما ذكرنا بأحد أطفاله أو لحالات استثنائية لايمكن تأجيلها أو تحمل ويلاتها.
المقارنة المنطقية تكون بتقدير نسبة الذين يستأثرون بالحصة الأكبر من الدخل القومي، وعندها سنكتشف أن ماينفقه الواحد منهم سنوياً أكبر من إنفاق أي فرد في الدول الصناعية سواء كان في أمريكا أم في أوروبا.
أكثر من ذلك لم يعد وارداً الحديث عن الجهات التي تغطي تكاليف الخدمات الصحية في سورية “نظرياً” وهي (خزانة الدولة، وصاحب العمل والمستفيدون من الخدمة، والمبالغ المقتطعة من الموازنة العامة للدولة ومن أصحاب العمل..الخ)، لنستنتج “أن المواطن يُعالج على نفقة الدولة، أي مجاناً”، وهذا غير صحيح!.
معظم المشافي الحكومية مثلاً تطلب من المرضي تأمين الأدوية وبعض المستلزمات الصحية على نفقتهم، بل وتأمين الصور الشعاعية والتحاليل من المخابر الخاصة، كما أن تغطية أصحاب العمل لنفقات علاج عمالهم تكاد تكون صفراً مكعباً، فعن أي مجانية صحية يتحدثون؟.
الخلاصة: الحل الجذري يكون بتطبيق التأمين الصحي الشامل على جميع السوريين تديره مؤسسة مستقلة مالياً وإدارياً، مواردها من الدولة ومن أرباب العمل في القطاعين العام والخاص، ومن اشتراكات العاملين، وعندها يجوز الحديث عن نسبة ماينفق من الدخل القومي على الصحة، أي بعد أن تتحول من ترف إلى خدمة عامة يستفيد منها كل السوريين.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة