الباذنجان ملك المائدة ومهدم البيوت العامرة
خاص غلوبال – زهير المحمد
يبدو أن الباذنجان قد سيطر على موائد السوريين وهزم كل الخضر الأخرى نتيجة انخفاض أسعاره وتعدد طرائق طبخه، ولكونه يشكل بديلاً لأصناف أخرى حلقت أسعارها، وأصبح من النادر أن تدخل بيتاً من بيوت أصحاب الدخل المحدود إلا وتجد رائحة الباذنجان قد فاحت، وهو كما تعلمون يؤكل مقلياً لمن لديه الزيت والغاز أو الحطب، ويشكل بديلاً مقبولاً على مضض للبطاطا التي تجاوز سعر الكيلو منها العشرة آلاف ليرة، ويؤكل مشوياً مع قليل من الطحينة فيما يسمونه بابا غنوج، وعلى شكل باطرش دون طحينية، ويؤكل مطبقاً بالبندورة بعد قليه أو محموسة دون قلي، ولا ننسى المحاشي حيث يتم استخدام رب البندورة والاستغناء عن البندورة التي حلقت أسعارها، وأوشكت أن تغادر موائد أصحاب الدخل المحدود.
أما المكدوس الذي كان يشكل المخزون الاستراتيجي للأسر ولتسعة أشهر سنوياً فقد بات من الكماليات، بسبب ارتفاع سعر المواد الأخرى الداخلة في تحضيره كالثوم والجوز والفليفلة الحمراء وزيت الزيتون، وبات كيلو المكدوس يمكن أن يلتهم راتباً شهرياً للموظف،وعزوف الناس عن تحضير المكدوس كما في السنوات السابقة أدى إلى انهيار أسعاره، وإلى مشكلات عائلية لها أول وليس لها آخر لدى المزارعين الذين تورطوا بزراعته ودفعوا تكاليف مرتفعة لإنتاجه كثمن بذار وأسمدة ومشتقات نفطية ومبيدات وأجور حفر وقطاف، واكتشفوا أنهم لن يستعيدوا نصف تكاليف الإنتاج، وهذا ما يسبب مشكلات أسرية للمزارعين الذين فقدوا عائداً اقتصادياً كان يؤمنها لهم هذا الموسم، وسيكون لهذا تبعات خطرة في الموسم القادم، وربما يعزف الكثيرون عن زراعته ويتقلص الإنتاج ويقل العرض، ويستعيد الباذنجان مجده تماماً كما استعادها البصل والثوم بعد انهيار أسعارهما قبل ثلاث سنوات.
كل ماذكرته جانب قد يلمسه الكثيرون، لكن ما سمعته من أحد الأصدقاء حول علاقة الباذنجان بخراب البيوت وارتفاع حالات الطلاق والمشاجرات العائلية والمشاجرات بين الأصدقاء والجيران، فإن ذلك يحتاج إلى دراسات نفسية واجتماعية تثبت أو تنفي ماقاله لي، بأن الإكثار من تناول الباذنجان قسرياً يؤثر سلباً على النفسية ويصبح الإنسان شديد العصبية ويحلف بالطلاق لأتفه الأسباب، ويستعمل العنف لإقناع الأولاد بأنه لابدائل ممكنة لأطباق الباذنجان، وتفقد طولة البال مع الجيران أو مع أهل بيتك وتصبح أدوات المطبخ ضرورية لحسم الصراع، وعندها تكون بطلاً إذا اقتنعت أنت أو زوجتك بأنه لاداعي لاستخدام السكاكين في المشاجرات العائلية البسيطة.
وأردف الصديق بالقول، هل تعلم لو كان أهل الخليج والسعودية يعتمدون على المكدوس كمؤونة للشتاء لبات سعر كيلو الباذنجان بعشرين ألف ليرة، وربما يصل إلى ذلك في المواسم القادمة كما وصل إليه كيلو باذنجان بيض العجل قبل رمضان، وتم بيع الكيلو بعشرين ألفاً أو أقل بقليل.
بعد كل ماذكرناه، هل نقول تودعوا من الباذنجان قبل أن يقفز إلى رفوف الثوم والبصل والبندورة والجبس والفاصولياء والبامياء وكل الفواكه والخضر التي تتعرض للتصدير الجائر دون أي حساب لاحتياجات السوق المحلية، أما انعكاسات الإفراط في استهلاكه على سلوك الأفراد و المجتمعات وعلى تنامي المشكلات الأسرية، فهذا نتركه للمختصين النفسيين والاجتماعيين، مع أنني أوشكت على الاقتناع برأي صديقي بعد أن قال لي تصور يارجل بأنني لم أعد أستطيع رؤية أي برنامج تلفزيوني ليس بسبب تقنين الكهرباء، وإنما لأن زوجتي تقفز من محطة طبخ إلى أخرى بحثاً عن سفرجية يمكن أن يخترعوا أطباقاً أخرى يمكن أن تعتمد كلياً على الباذنجان.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة