ربيع الفتنة والحصاد المرّ
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
هل وصلنا إلى مرحلة من الانهيار السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يصعب علينا في خضمه إعادة البناء لمكونات المجتمعات العربية التي مزقتها سموم “الربيع العربي”، والتي بذرها برنار ليفي بتمويل مادي وسياسي وعسكري غير مسبوق، من تونس وصولاً إلى اليمن؟.
سؤال يتبادر للذهن ونحن نتابع قتال الفصائل المسلحة في بلدة تاجوراء الليبية، تلك البلدة التي كانت ملاذاً للمرضى في مشفاها الذي كان يقدم خدماته الطبية المجانية على يد أمهر الأطباء العرب والأجانب، وبأسواقها للخضر الطازجة بأسعار زهيدة، وبأفرانها التي تعطر الطريق السريع الذي يصل طرابلس ببنغازي برائحة الخبز الناضج، في حين يبحثون الآن عن قوات تفصل بين المتقاتلين من أبناء البلد الواحد، بل ينتظرهم المزيد من التقسيم.
وإذا انتقلنا إلى السودان، فسنشاهد القتال يحرق البنى التحتية ويهجّر ملايين السكان، وسط أنباء عن مفاوضات في جدة وجنيف دون أمل في التوصل إلى اتفاق ينهي شبح الانقسام والموت المجاني في ساحات المعارك العبثية، أو في براثن الجوع، أو في سيول الفيضانات.
أما في شرق الفرات، نلحظ قوات الاحتلال الأمريكية تسرق النفط وتحرم السوريين من ثرواتهم الطبيعية، وتحرض ما تسمى بالإدارة الذاتية على منع تزويد الأفران بالطحين، مع قطع الماء عن السكان في مديني الحسكة والقامشلي ممن اختاروا التمسك بهويتهم وانتمائهم السوري الأصيل.
لكن الألم يصبح خارج قدرتنا على التحمل عندما نتابع المجازر اليومية التي ترتكبها “إسرائيل” ضد المدنيين في مراكز اللجوء في المدارس والمشافي، والتي لاتستثني حتى المصلين في ساعات الفجر، كما حصل في مدرسة التابعين التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة شهيد، مستغلةً الإنشغال العربي في حروب وتقسيم لا طائل منه، وسط غياب شبه تام للتضامن العربي.
هذا جزء من الحصاد المرّ لـ”الربيع العربي” الذي بات كالعلقم في حلوق العرب على امتداد قرابة العقد والنصف من زمن، ودون أمل قريب في تجاوز حالة التفتت في المجتمعات العربية، وغياب المشروع العربي الذي يمكن أن يجعلهم قوة مؤثرة ويتناسب مع ثقلهم البشري والحضاري والاقتصادي.
مع أنهم يدركون أن إصدار البيانات التي تدين “إسرائيل” ومجازرها أو الاشتراك مع أمريكا ذاتها في إصدار البيانات أو رعايتها للمفاوضات العبثية بين “إسرائيل” وفصائل المقاومة في القاهرة أو في الدوحة- ليس أكثر من تسوّل (الكرام) على أبواب اللئام.
كما يعلمون أن المفاوضات التي بدأت قبل عشرة أشهر برعايتهم ومشاركتهم، والتي تستمر حتى الآن باتت سوقاً لشراء الوقت وللحصول على تنازلات لصالح “إسرائيل”.
الوضع صعب وخطير ويحتاج إلى معالجة جذور المشكلات التي أدت إلى تهميش دور العرب، وشجعت المعتدين على التمادي في عدوانهم، فهل وصل العرب إلى هذه القناعة، أم إن طريق الانتظار لا يزال في بدايته؟.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة