فقر العقول ووساخة الجيوب!
خاص غلوبال – هني الحمدان
تبشرنا أخبار إداراتنا الرسمية كل يوم بأخبار مزعجة، وصل بعضها لحد أخبار الموت وحصد الأرواح وبكل استخفاف، لعبت إداراتنا وعملت وكأنها حصدت البطولة، البطولة والمركز الأول بكل شيء، بما أننا أصبحنا نفتخر بإنجازات وهمية فقط، ولا تخجل بعض إداراتنا من التذرع بحجج التقصير والتراجع الحاصل بالأداء ونسب الإنجاز الصورية، الفساد يضرب بقوة معظم مفاصل عمل الإدارات والجهات، الروتين تجده أينما ذهبت وحللت، المحسوبيات شغالة ونمطية الأعمال الموروثة سائدة فوق الجميع، حالة الاستكانة والاتكال ضاربة بقوة، الفقر ينهش بأجسادنا والغلاء والتضخم فعلا فعلتهما، والبشر لم تعد بمقدورها تأمين طبخة يوم واحد، صرنا أفقر دولة مائياً ودخلنا بدوامة قلة المتاح، الأمن الغذائي هدد الغالبية وزراعتنا إلى الوراء سر، صناعة بائسة هياكل جاثمة بلاحراك وبلا فوائد.
بعد أن تخطينا الجميع والحمد لله وبتنا وحيدين على قمة العطش والجوع والفقر وعصف الفساد وتراجع كل شيء للخلف،
لاشيء يبعث الأمل في النفوس، فحالات الوهن والإحباط في كل ركن وزاوية لأننا رهنا مستقبلنا ومستقبل البلد وأبنائه بحكومات لم تستطع التعرف على الأولويات الملحة التي ينبغي لها منحها صفة الاستعجال في التخطيط والتنفيذ، خصوصاً حين تكون تلك الأولويات داخلة في تصنيفات الأمن الوطني، والتي يهدد غيابها الاستقرار برمته.
سنوات تمضي وأزمات تتراكم، ونراقب عن كثب تسلقنا هرم قائمة الفشل وصولاً إلى قمتها، ومع ذلك لم نر أي إنجاز حقيقي، سوى “جعجعات” إعلامية عن خطط واستراتيجيات يتم تنفيذها من قبل الحكومات، والتي سوف تنسف الواقع المتردي، وتحول الواقع إلى جنات خضراء وأنهار جارية، والمصيبة أننا كنا نصدق هذه “الحكايات الخيالية”، لأننا كنا نريد تصديقها، فنحن لا نريد الاعتراف بأن من يمسكون بملف المياه والأسواق والدخول وغيرها عاجزون تماماً عن اقتراح أي مخرج من المأزق الخطير الذي تنحدر إليه البلد، ولا نريد أن نصدق بأننا نمشي إلى نهاية نفق مظلم يقود إلى نفق أكثر ظلمة وخطراً.
من يسمع لوزير أو لمحافظ أو لمدير، يطرب لسرد البطولات الورقية، يكذبون ويصدقون أكاذيبهم، كلام معسول ومنمق من الخطط والاستراتيجيات الاستعراضية التي لم تفعل شيئاً على أرض الواقع، سوى أنها كانت تسهم بتخدير وجعنا، وتحيلنا إلى مستقبل قد يتفتق عن معجزة ما، أما الواقع الخطير الذي يعيشه بلد يعاني من مشكلات مركبة، فلم يدرك المسؤولون خطورتها أبداً، وظلوا على حالهم، يخرجون إلينا بكامل أناقتهم عبر مؤتمرات صحفية منمقة، لكي يؤكدوا لنا أن كل شيء تحت السيطرة، وأن قلقنا مبالغ فيه، ولا يوجد له مكان في قاموس خبراتهم الأسطورية، مأساتنا ليست في فقر الموارد وتراجعها، بل في فقر العقول، ووساخة الجيوب.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة