قرارات الوزراء في قبضة وزارة المالية!
خاص غلوبال ـ علي عبود
لم نتفاجأ بأن موافقة وزارة الصحة على منح تعويض طبيعة عمل للممرضين بنسبة 50 % بدلاً من 4 % الحالية تحتاج إلى قرار من وزارة المالية.
نعم، كل الموافقات الصادرة عن الوزراء التي يترتب عليها نفقات مالية لاتصبح نافذة إلا بقرارات من وزارة المالية، وكأنّها وصيّة على كل الوزراء.
ولا توجد استثناءات في هذا المجال سوى القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة، بل إن اعتمادات الوزارات الواردة في الموازنة العامة للدولة تبقى ورقية مالم تفرج عنها وزارة المالية، وغالباً مايكون (الإفراج) بـ (القطارة) وليس ككتلة واحدة.
وكمثال فإن الاعتمادات المخصصة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في الموازنات السابقة، لم تنفق بكاملها، وإنما أفرجت وزارة المالية عن نسبة زهيدة منها على الرغم من الضخ الإعلامي للحكومات السابقة التي أوحت أنها تولي اهتماماً كبيراً لهذه المشاريع.
وأمام هذا الواقع، بات مألوفاً أن تُبالغ الوزارات وتحديداً الاقتصادية بوضع خطط تتضمن مشاريع كثيرة بمبالغ كبيرة لأنها تعرف مسبقاً أن وزارة المالية ستقوم بتخفيضها من جهة، ولن تفرج عنها كلها بعد اعتمادها في الموازنة من جهة أخرى.
ومن الملاحظ أن وزارة المالية تتأخر مثلاً بتحويل اعتمادات وزارة الصناعة عدة أشهر كي تضمن تحويل الجزء الأكبر منها للسنة المالية الجديدة، فالوزارة تحتاج إلى مايقارب السنة تقريباً كي تنجز الإجراءات الإدارية للإعلان عن مناقصات المشاريع المدرجة في خططها.
وأمام هذا الواقع لم ولن نتفاجأ بعدم اهتمام وزارة المالية بتحسين الأوضاع المادية لشرائح كبيرة من العاملين بأجر كجهاز التمريض الذي يتعرض دائماً لمخاطر كبيرة كما كان حالهم عند جائحة كورونا.
وإذا كانت نسبة طبيعة العمل التي لاتتجاوز 4% غير كافية ماقبل عام 2011 فإنها حالياً ليست هزيلة فقط، بل هي بمثابة صفر مكعب بعد تراجع سعر صرف الليرة أكثر من 287 ضعفاً رسمياً (من 47 ليرة إلى 13500 ليرة).
حسناً لنفترض أن دخل العنصر التمريضي الذي وصل إلى السقف هو 500 ألف ليرة فهذا يعني أن طبيعة العمل لقاء 8 ساعات يومياً متواصلة من الجهد والضغط لايتجاوز 20 ألف ليرة شهرياً أي أقل من 667 ليرة يومياً لاتكفي لأجرة الباص.
وعلى الرغم من هذا الواقع السيريالي لقطاع التمريض في سورية، فإن وزارة الصحة اكتفت بالموافقة على رفع نسبة طبيعة العمل إلى 50 % بدلاً من 100%، دون أن تتابع تنفيذ موافقتها سواء لدى وزارة المالية أو بمناقشتها في مجلس الوزراء، أو التوسط لدى رئاسة الحكومة ليصدرها بقرار ملزم لوزارة المالية.
ولم نستغرب جراء إهمال القطاع التمريضي وعدم إنصاف العاملين فيه ولو جزئياً أسوة بقطاعات أخرى أن يحدث تسرب كبير من هذا القطاع يتزايد يوماً بعد يوم، وحسب إحصائيات النقابة فقد وصلت نسبة التسرب إلى 25 %، وبالتالي تراجع عدد العاملين فيه حالياً إلى نحو 100 ألف أي أقل من حاجة القطاع الصحي بشقيه العام والخاص.
الخلاصة: آن الآوان لتحرير الوزارات من قبضة وزارة المالية، فكل وزارة يجب أن تكون مسؤولة عن إنفاق مايُخصص لها من اعتمادات توضع في حساباتها في مطلع السنة المالية كي تتمكن من تنفيذ خططها الاستثمارية ومشاريع التجديد والإصلاح، وتحسين أوضاع عمالها من خلال المكافآت والحوافز وطبيعة العمل وفق آليات مقررة مسبقاً من رئاسة الحكومة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة