“شرطي العالم” والتعاجز عن إدخال المساعدات
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
هل يمكن أن نأخذ التصريحات الأمريكية بشأن الأوضاع الراهنة على محمل الجد، وهل هم مهتمون فعلاً بالوضع الإنساني في غزة لهذه الدرجة؟، فبعد سنة وشهرين من حرب الإبادة التي تنفذها “إسرائيل” على قطاع غزة وبعد عشرات الوعود التي أطلقتها أمريكا لحث “إسرائيل” على تجنيب المدنيين نار الحرب ومدهم بالمعونات الإغاثية أو السماح بدخول شاحنات الإغاثة إلى القطاع، تعود أمريكا اليوم إلى المربع الأول لتشغيل أسطوانتها المشروخة، مطالبة “إسرائيل” بتحسين الوضع الإنساني في غزة، وسفيرتها الأممية تحذر “إسرائيل” من سياسة التجويع والتهجير.
لكن ماذا لو استمرت “إسرائيل”، هل من عقاب أمريكي لنتنياهو وحكومته؟، كلام كثير وتصريحات متلاحقة من واشنطن حول الوضع الإنساني وعملية الإغاثة والأوضاع تزداد سوءاً، ألم تنذر واشنطن تل أبيب وتمنحها فرصة شهر كامل لتغيير سلوكها الإجرامي وحصارها الغذائي والطبي على سكان غزة، وإلا، وها هو الشهر ينتهي وأوضاع الغراويين تزداد مرارة، مفضيةً إلى موت المزيد من الأطفال والنساء والشيوخ.
أمريكا التي تدعي قيادتها للعالم تتظاهر بتوعد “إسرائيل” إن لم تنه عملية تجويع الفلسطينيين وتهجيرهم من مكان لآخر، بل أكثر إيلاماً من ذلك وعلى وقع التصريحات الأمريكية التي تفيض بالمشاعر الإنسانية الكاذبة قامت “إسرائيل” بقصف خيام النازحين يوم أمس، كما قصفتهم مئات المرات سابقاً.
ألم تسأل الإدارة الأمريكية نفسها أين ذهب جسرها العائم الذي بنته وفككته وأعادت بناءه على ساحل غزة، وماذا قدم ذلك الجسر الذي لو أرادت أمريكا فعلاً تحسين الوضع الإنساني في غزة لقلبته رأساً على عقب، بل كان بإمكانها أن تقدم الإغاثة لسكان شرق المتوسط بالكامل، وأين ذهبت طائراتها وطائرات غيرها التي كانت ترمي المساعدات من الجو وحولت سماء غزة لأسابيع إلى طاقة فرج تسلت بمتابعتها وسائل الإعلام، فيما كان بعض الغزاويين يدفعون حياتهم نتيجة سقوط تلك الصناديق الملغومة بالمساعدات على رؤوسهم، أو لأن طائرات “إسرائيل” وصواريخها كانت تستغل تجمع الجياع حول تلك المساعدات ليسهل قتلهم بالعشرات.
إن ولاية بايدن تحزم أمتعتها استعداداً للخروج من البيت الأبيض وتسليم مفاتيحه إلى إدارة ترامب في غضون عشرة أسابيع، والأوضاع الإنسانية في تراجع مريع ومئات أطنان المساعدات الإغاثية تتكدس في قبرص وسيناء وفي مطارات قادرة على إغراق غزة مساعدات يتم إسقاطها جواً، والنتيجة لا تختلف كثيراً عن إهتمام أمريكا وتصريحات مسؤولي إدارتها بوقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى والحرص على عدم توسع رقعة الصراع الذي توسع ولا يزال يتوسع، ليس لأن الأطراف الإقليمية تريد ذلك، بل لأن أمريكا التي لم تستطع المساعدة في إدخال المعونات الإغاثية على غزة استطاعت إدخال ملايين الأطنان من الصواريخ والذخائر التي حولت مدن غزة وعشرات الأحياء في بيروت وعشرات القرى في الجنوب والبقاع إلى أنقاض، ودفعت “إسرائيل” لتهديد دول المنطقة بالكامل.
على المقلب الآخر انبرت قمة عربية إسلامية ومؤتمر مناخ واجتماعات ثنائية وثلاثية واجتماعات في مجلس الأمن واستجداء لتدخل أمريكي لوقف الإجرام الإسرائيلي دون جدوى، ترى ألا تعرف المندوبة الأممية بأن تحذيرها من سياسة التجويع والتهجير التي تمارسها “إسرائيل” هو اعتراف صريح من إدارتها بأن “إسرائيل” ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكنها فرضت عقوبات على قضاة الجنايات الدولية والعدل الدولية لأنهم وصفوا ما تقوم به “إسرائيل”، كما تصفه هي بذات التوصيف الذي قدمته صراحة ودون مواربة، وبنوا على مقتضاه بإصدار مذكرات توقيف بحق مجرمي الحرب بحكومة نتنياهو المتطرفة.
أما بلنكن الذي تظاهر لأشهر بأنه يصيغ مبادرة لوقف النار وتبادل الأسرى يتراجع اليوم ويقول: إن حماس رفضت مقترح الخروج الآمن مقابل إعادة الأسرى أي أنه يريد استسلامها.
ومع ذلك لا يسعنى القول إلا: إن الجبهات في غزة وفي لبنان هي التي تقرر مستقبل الصراع الذي لن يكون لصالح “إسرائيل” التي وصلت الطائرات المسيرة مقر وزارة حربها، فيما بقيت الإنجازات العسكرية لقوات الاحتلال حتى الآن صفرية، ومهما كانت الحرب موجعة، فإن الوجع الإسرائيلي سيكون الأقسى.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة