دكتورة في كلية الإعلام: “إيانا بعد اليوم التشكيك في حقيقة أننا بخير”
أنا مستغربة، من كمّ اليأس والتشاؤم اللذين يظلّلان كافة تفاصيل حياتنا اليومية، ناهيك عن عقولنا وقلوبنا وكل ذرة فينا، إذ ما الذي يدعو للحزن أو للسخط أو حتى لمجرد الامتعاض؟! في ظل حقيقة لا جدال حولها أننا بألف خير؟ والدليل على ذلك أننا لا نتوقف عن السفر والسياحة، وتناول الطعام والشراب وحضور الحفلات، ولذلك فقد فاضت بنا الطرقات وتحوّل عيشنا إلى طوابير ترف تشبه الإهانة!، نتسابق فيها بالكتف والسيارة (وأحياناً بالكف وأخرى بالسلاح) للحصول على الكماليات (رز، سكر، خبز، بنزين)!!، لنتابع رحلات السفاري إلى قرانا وغاباتنا، لمعاينة “لوكها” الجديد بعد الحريق؟!. بجد، أستغرب حجم التشاؤم الذي نعانيه، مع أن أمورنا “عال العال”!، ونحن من كثرة الرفاهية مصابون بالبطر، وجاهزون لخوض المعارك لأتفه الأسباب (طعام، شراب، مرض، تعليم) من أجل التسلية!! ولا يعجبنا العجب، ولذلك نلاحق أصحاب المعالي بالغضب، ونحمّلهم مسؤوليات لا علاقة لهم بها، إذ ما علاقتهم -يا رعاكم الله- بارتفاع الأسعار، ونقص المواد الأساسية، وانقطاع الكهرباء، واهتراء معدات الحماية والأمان، وتآكل سيارات الإطفاء، وتحوّل الطرقات إلى مصائد موت للسيارات والمشاة، وتفشي الكورونا بين العباد.. الخ. بجد ما علاقتهم؟، ولماذا نحن حاقدون، وحاسدون إلى درجة اتهام اجتماعاتهم بأنها مزاد للكلام، وخططهم الإستراتيجية بالفقاعة، وتصريحاتهم الإعلامية بالمفجعة؟، بل وصل بنا التمادي إلى محاولة إفساد علاقتهم بأصدقائهم رجال الأعمال والتّجار ومالكي الوكالات وأصحاب التسهيلات و”التشهيلات”، ولذلك أتساءل مرة ثانية: لماذا “والدمعة في عيني” لمعرفتي بأننا نظلمهم؟، مع أن علاقتهم المتينة بهؤلاء لأجل مصلحتنا وعيوننا نحن، (ألسنا الوطن؟)، وإذا لم تصدقوني راجعوا التصريحات، وعلى عيني يا حبة عيني!!.
بجد، مستغربة أنا مما نحن عليه، ولا أعرف لماذا نفعل كل هذا؟ علماً أن أصحاب المعالي لا خلاف لهم معنا، وليسوا بواردنا، وهم غير معنيين بنا، وأصلاً هم لا يروننا، ولا يخاطبوننا، بل يخاطبون من أجلسوهم على الكراسي، وكل ما يقولونه لا علاقة لنا به، هو موجّه إلى آخرين قادرين على نقلهم إلى أعلى، ونحن لسنا منهم!. فبربكم لماذا نحشر أنفسنا في كلامهم، ولماذا نعقّب على ما لا يعنينا، ونتدخّل في علاقة لسنا طرفاً فيها، أليس ذلك تطفلاً منا، و”جر شكَل” مع مسالمين، حساسين، تؤذيهم الكلمة (خاصة كلماتنا)، ولا يتدخلون في حياتنا، ويسمحون لنا بالتشاؤم والغضب والتآكل من الداخل والاشتباك فيما بيننا، والموت متى نريد وبالطريقة التي نريد، فهل هناك أكثر من ذلك أريحية، وعدالة اجتماعية؟!.
يا سادتي: المشكلة فينا، نعم فينا، نحن لكثرة الدلع.. نقاقون، وأستهجن أننا لسنا واعين لحقيقة أن لدينا أعظم أصحاب معالي في الكون، ولكن، وكما تعرفون “لكن” مثل “لو” تفتح عمل الشيطان، كلّ ما في الأمر أن حظنا مثل كل العظماء.. سيئ!؟ نصف العالم يعادينا، وأصدقاؤنا لا يقفون معنا، وفلاحنا غشيم يلعب بالكبريت، والرياح غير مواتية، والمطر عنيد، وسيارات الإطفاء حردانة، و”البنزين بدو نقل، والنقل بدو بحر، والبحر موجه عالي، والعالي بدو عالي ”، والحدوتة طويلة، ماتت فيها الأميرة، وبقي الأمراء وليس هناك من ينقذونه، فما ذنب أصحاب المعالي يا سادتي؟!.
يا سادتي: التساؤل في بلادنا عن الدوافع والأسباب والمسؤوليات والفساد.. معيب، لأنه تشكيك بحقيقة تاريخية “أن لا ذنب لنا”، وأننا أعرق الحضارات، وأقدم العواصم، وخيرة من في الأرض، وأول وآخر من قال: “شو في ما في؟”، وهذا السؤال في حدّ ذاته إعجاز!، ولدينا على شاكلته ومن جنسه آلاف المعجزات!! ولذلك فنحن مستهدفون، ومحسودون، والكون بأسره يتآمر علينا، ولذلك فلا حلّ لما نحن فيه، سوى متابعة الرحيل بين سين وسوف، وبين الأدعية والتمتمة والحوقلة، ولا تنسوا ضرورة وأهمية وحتمية أن نضع على أبواب بيوتنا خرزات زرقاء، وعبارة “عين الحسود فيها عود”، وإيانا بعد اليوم التشكيك في حقيقة أننا بخير، لأننا بخير، كل القصة أن العين تأكل من الحجر!!
الدكتورة نهلة عسّاف عيسى
طريقك الصحيح نحو الحقيقة