نظرية وزير ؟!
نتفق مع تفسيرات وزارة المالية المتعلقة بأن مصطلح المستوى المعيشي لا يعني الراتب فقط، وإنما كل الخدمات التي تقدمها الدولة على مستوى النقل والصحة والتعليم، ولكن، ودون التقليل من أهمية ما يقدم في هذه المجالات نسأل: هل تسير الأمور في سياقها الصحيح؟ وهل ما يعانيه الناس على الطرقات وساعات الانتظار الطويلة لوسائل النقل يعطي الصلاحية لبقاء هذه النظرية المالية الفاقدة لأبسط متطلبات الحقيقة؟ وهل ما يجري في قطاعي الصحة والتعليم بكل ما فيهما من فوضى وغياب للأساسيات، وانزلاق الأهداف في غياهب الضعف، والتخلي عن الخطوط الحمراء، وتدني جودة الخدمات بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، يمنح السياسات المالية وأفكارها الأفلاطونية مشروعية الإمعان في قهر الأمل، وتعليق المستوى المعيشي على منظومة من الخدمات التي يعلم الجميع أنها “ليست بخير”؟.
ما قرأناه في هذه النظرية المالية لا يختلف عن قراءاتنا السابقة حول دخول زيادة الرواتب منحى تفاضلياً جديداً يتمثّل بجدلية تشبه إلى حد ما جدلية البيضة أم الدجاجة وأيهما قبل الآخر، زيادة الرواتب أم تحسين الواقع المعيشي مع فرق بسيط يتمثّل بمحاولة تثقيل الراتب بالواقع الخدمي، و”جنزرة الزيادة ” “بتمنين” المواطن بخدمات النقل والصحة والتعليم، ومن ثم إخراج الأجور من دائرة الاستهداف المباشر إلى جيوب المتممات العالقة بدورها في شبكة عنكبوتية من القوانين التي لم تر النور إلى الآن، ومازالت تسكن جوارير مكاتب وزارة التنمية الإدارية حتى توفر الاعتمادات المالية اللازمة لولادتها كقانون العاملين في الدولة، القانون 50، والتأمينات الاجتماعية، والقانون 17؟
وبالعودة إلى نظرية وزارة المالية حول أن المعني بجزئية كبيرة من تحسين المستوى المعيشي هو الراتب، وأن أي إيراد إضافي يتم تحقيقه بالمالية سيكون لدعم الراتب والأجور، نسأل: ماذا عن المليارات التي تمت جبايتها من باب الضرائب؟ وماذا عن عوائد رفع أسعار حوامل الطاقة وغيرها، وعن الموارد الناتجة عن تخفيف سلة دعم المواطن وفتح أبواب العبور إلى أسواق البيع الحر؟ وماذا عن ملفات الفساد المالي ونهاياتها المدرجة في المجهول؟ فهل هذه إيرادات مالية أم ..؟
باختصار.. المشكلات لا تقتصر اليوم على عدم القدرة على زيادة أصل الراتب بنحو يتناسب مع حجم التضخم السعري وانخفاض القوة الشرائية لليرة، بل بتحييد الاقتصاد الإنتاجي، ووضع العراقيل في طريقه، رغم كل ما يحكى عن تسهيلات وخطوات تحفيزية تتلاشى في مهب الفساد، وبالتالي عدم إمكانية زيادة الرواتب في ظل الضعف الإنتاجي الحالي، ولكن ألا يمكن وضع خطط لترميم الدخل بمجمله، فهل يعقل ألا يتجاوز التعويض العائلي 450 ل.س؟.. بالمحصلة زيادة الرواتب متحققة في حالة وحيدة وهي أن تكون الاعتمادات الأولية للموازنة العامة للدولة للعام القادم والمحددة بأكثر من 13 تريليون ليرة سورية حقيقية، خاصة أن القيمة الأولية للدعم الاجتماعي الواردة في بنود الموازنة بلغت نحو 5529 مليار ليرة مقارنة بـ 3500 مليار في موازنة عام 2021؟.
بشير فرزان – صحيفة البعث
طريقك الصحيح نحو الحقيقة