صحيفة رسمية: القرارات التي تصدرها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2008 قاصرة وغير فعالة
توحي القرارات التي تصدرها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2008 بأنها تدعم زراعة الحبوب، لكن طالما أننا نستورد احتياجاتنا من القمح، فهذا يؤكد أنها قرارات قاصرة وغير فعالة بدليل أنه في عام القمح كان إنتاجنا أقل من 400 ألف طن..!
وبما أن سعر الشراء يعد أحد أهم عناصر تشجيع المنتجين على زراعة القمح، فهل هو مجز فعلاً؟ أم لا يزال أقل من تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد؟
لا يحتاج منتج الحبوب إلى عملية رياضية معقدة ليكتشف ما إذا كان سعر شراء القمح مربحا له أم خاسرا. وبناء على هذه “الحسبة”، وليس استنادا لـ “حسبة” الحكومة، يُقْدم الفلاح على الزراعة وفق الخطة المقررة، وبعد الحصاد يقرر لمن سيبيع المحصول: لمؤسسة الحبوب أو للتجار..!؟
وبالتالي، نسأل: هل سعر 1500 ليرة لشراء كيلو القمح لموسم 2022 مجز فعلا للمنتج، أم خاسر أسوة بالمواسم السابقة..؟
لقد أكد وزير الزراعة بتاريخ 7/ 10/ 2021 أن “تحديد سعر شراء القمح بـ 1500 ليرة تم بناء على اقتراحنا، وهذا السعر يعتبر سعراً تسويقياً جيداً”.. فهل هو كذلك فعلا؟
حسب تأكيدات الوزير، فإن السعر التسويقي الجديد يضمن حق الفلاح بأن يسوق محصوله للدولة، وفي الوقت ذاته يحصل على ربح صاف مجزٍ يحقق استقراره واستمراره بالزراعة، فهل هذه التأكيدات دقيقة تعكس واقع تكلفة إنتاج القمح..؟
ما لفتنا قول وزير الزراعة: “هذه التكلفة حُسبت بناء على تكلفة إنتاج لمستلزمات الإنتاج تتوافق مع أسعارها الرائجة المتداولة في السوق، لذا فإن السعر الذي تم تحديده يعتبر مجزياً أكثر مما كان يتوقعه الفلاح، ويضمن له هامش ربح جيد، والسعر الذي تم تحديده ثابت وليس متغيراً”!
حسنا، لكي نتأكد بأن السعر الجديد لشراء القمح جيد، علينا إجراء مقارنة “نقدية” بالأسعار الفعلية للمواسم السابقة من جهة، وبأن مستلزمات تكلفة الإنتاج متوفرة وبأسعارها الرسمية من جهة أخرى، أي أن الفلاح لن يشتري الجزء الأقل أو الأكبر منها من السوق السوداء، وتحديدا المازوت والأسمدة، وبأن المياه متوفرة لري المحصول بالمواعيد المحددة.. إلخ..!
لقد كان سعر شراء كيلو غرام القمح 11.5 ليرة في عام 2000، وارتفع إلى 11.8 ليرة في عام 2003، وهو تاريخ مهم لأن مخزوننا من القمح تجاوز في ذلك العام الـ 5 ملايين طن..!
وارتفع سعر شراء كيلو القمح إلى 17 ليرة في عام 2008، وهو أيضا تاريخ مهم ولكن بالمعنى السلبي، ففيه رفعت الحكومة سعر ليتر المازوت من 8.25 ليرات إلى 25 ليرة، أي انها رفعت سعر المادة ثلاثة أضعاف (أي 300%)، في حين رفعت سعر كيلو القمح بنسبة 44%، ورفعت سعر شراء كيلو القمح إلى 20.5 ليرة في عام 2010، ثم إلى 400 ليرة عام 2020، فإلى 900 ليرة عام 2021، فإلى 1500 ليرة في موسم 2022.
الملفت أنه في العام الماضي، وبعد قرار الحكومة رفع سعر شراء القمح، أكد وزير الزراعة “أن رفع سعر القمح تم بناء على دراسة تكاليف الإنتاج الفعلية من استخدام المازوت والأسمدة وغيرهما”، ومع ذلك لم تتمكن الحكومة من شراء أكثر من 365 ألف طن في عام القمح..!
كما أن رئيس اتحاد الفلاحين أعلن يومها أن قرار الحكومة برفع سعر كيلو القمح المسلّم من الفلاحين لموسم 2021 إلى 800 ليرة و100 ليرة مكافأة هو قرار صائب، ويساهم في تشجيع الفلاح لأن يكون كامل التسويق لمؤسسة الحبوب.. وثبت أن هذا الكلام مبالغ فيه كثيرا..!
نستنتج من الأرقام السابقة إن القوة الشرائية لسعر كيلو القمح كانت تساوي 0.25 دولارا بالسعر الرسمي عندما كان سعر ليتر المازوت 8.25 ليرة، وارتفعت هذه القوة إلى 0.36 دولارا بعد رفع سعر ليتر المازوت إلى25 ليرة، وهو ما يفسر بدء تراجع إنتاجنا من القمح وبدء عملية استيراده من الخارج..!
مع استمرار رفع الحكومة لسعر المازوت رفعت سعر شراء القمح إلى ما يوازي 0.43 دولارا في عام 2010.. الآن، ما هي القيمة الفعلية لشراء كيلو القمح بعد الارتفاع الكبير في سعر حوامل الطاقة والأسمدة والأدوية؟
لم تتجاوز القوة الشرائية لسعر كيلو القمح والبالغة 900 ليرة في عام 2021 سوى 0.36 دولارا، ارتفعت قليلا إلى 0.6 دولارا في عام 2022 بعد رفع سعر شراء كيلو القمح لمبلغ 1500 ليرة، وبعد تعديل سعر الصرف الأخير انخفضت القيمة الفعلية لشراء الكيلو إلى 0.53 دولارا..!.
في حال وافقت الحكومة على مقترح التنظيم الفلاحي برفع سعر شراء كيلو القمح إلى 2500 ليرة فإن القيمة الفعلية للكيلو سترتفع إلى 0.88 دولارا، وهي لا تزال أقل من سعر الشراء في أعوام ماقبل 2008، مقارنة بالارتفاعات المرعبة لأسعار حوامل الطاقة والأسمدة والأدوية وأجور النقل.. الخ.
وخلافا لم تُروج له الحكومات المتعاقبة فإن إنتاجنا قبل الحرب على سورية بدأ بالتراجع مع تحرير أسعار حوامل الطاقة، وتحولنا إلى بلد مستورد للقمح منذ عام 2008، بفعل الانتقال من حقبة الاقتصاد الإنتاجي إلى حقبة الاقتصاد الريعي والخدمي إلى أن بلغنا حدا لم تتمكن الحكومة فيه من استلام أكثر من 365 ألف طن في عام القمح.!
وسواء كان الخبز أم دعم الزراعة هو الخط الأحمر، فالمشكلة الفعلية هي أن هذا الخط الأحمر دخل دائرة الخطر منذ عام 2008، وليس في عام 2011 وما بعد، وسيبقى في دائرة الخطر طالما دعم القطاع الزراعي يتراجع عاما بعد عام، بل لا يمكن أن يتحول الدعم من النظري إلى الفعلي إلا عندما يعود إنتاجنا من القمح إلى ماكان عليه قبل عام 2008!
نعم، أغلبية الناس لا تعرف كيف يتم تأمين القمح والدقيق، وما الوسائل المعتمدة، وهذا طبيعي لأنها ليست معنية، فمن واجب الحكومة توفيره، لكن ليس بالاستيراد وإنما بالاعتماد على الذات، فمحافظة حماة مثلا يمكن أن تكون البديل لمحافظة الحسكة ريثما تتحرر من الاحتلال الأمريكي، ومع ذلك فإن إنتاجها العام الماضي كان أقل من متواضع لأننا لم نكترث بتأمين مستلزمات عام القمح لمحافظة حماة، فلماذا؟ الأمر ليس تنظيريا، وإنما عدم استثمار الإمكانيات المتاحة، لأن العين دائما على الحل الأسرع والأسهل والأكثر كلفة أي الاستيراد!
من يدعم الزراعة مثلا لايرفع طن سماد الفوسفات بقرار واحد من 237 ألفا إلى 1.36 مليون بتاريخ 3/ 6/ 2021، وهو يعني رفع سعر الشوال زنة 50 كيلو من 12 ألفا إلى 70 ألفا، وبعدها يرفع مادة السوبر فوسفات من 237 ألفا إلى 1.1 مليون ليرة، وطن نترات الأمونيوم من 160.200 ليرة إلى 789.600 ليرة، ورغم ارتفاعات الأسعار الحكومية لمستلزمات الإنتاج يضطر الفلاح إلى شرائها بسعر أعلى من التجار لأنها غير متوفرة بالكميات الكافية من المصارف الزراعية!!
وبعد كل هذا “الرفع”، تُمنّن الحكومة الفلاح برفع سعر شراء كيلو القمح إلى 1500 ليرة، وحتى لو رفعته في القادم من الأيام إلى 2500 ليرة فهو سعر غير مجز، بل أقل بكثير من التكلفة الفعلية مع نقص مياه الري، والرفع المستمر لأسعار الأسمدة والأدوية وحوامل الطاقة !!
طريقك الصحيح نحو الحقيقة