خط “الخبز الأحمر” أصبح قوس قزحاً… ودعم الفلاح يحمي لقمة العيش ويكف بلاء المستوردات..!!
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم:رحاب الإبراهيم
في زمن الوفرة قبل جثوم هذه الحرب اللعينة على معيشة السوريين، عندما كان مسؤول ما يطرب مسامعنا بأن الخبز “خط أحمر” كانت تميل أذاننا إلى تصديق هذا “التصريح اللوني” بحكم سيران مفعول قرارٍ عال السقف يمنع المساس بهذه المادة تحت أي ظرف، وللأسف كثر منا لم يقدر هذه “النعمة” حيث كانت أغلب العائلات تهدر كميات كبيرة من الخبز يومياً من دون تفكير بخسارة الخزينة العامة، بسبب رخصه وعدم تشكيله عبئاً مالياً على كاهلها مهما بلغ فقرها.
واليوم إذا تجرأ أحد المسؤولين ونطق بهذه العبارة، لن يقتصر الأمر على عدم التصديق، وإنما قد يفتح باباً عريضاً لمهاجمته دون اكتراث بقانون الجريمة الالكترونية المسلطة على الرقاب، بعد ما أصبح الخبز مزركشاً وأشبه ما يكون بقوس قزح، نتيجة رفع الدعم عنه بحجة ارتفاع تكاليف صناعته وإنتاج رغيف خبز جيد، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بسبب سوء إدارة هذا الملف الحساس واختيار توقيت سيء لمعالجة الهدر والفساد، حيث زادت معاناة المواطنين الجلية بطوابير الطويلة المصطفة على الأفران للحصول على مادة الخبز، التي تشكل قوتاً يومياً للفقراء، وهذا لم يعد متاحاً بعد وصول سعره في مناطق معينة وخاصة في الأرياف إلى حدود 2500 ليرة جراء لعبة المعتمدين المعروفة بالتشارك مع الفاسدين بهذا الفرن أو ذاك، الأمر شكل عبئاً إضافياً على كاهل العائلة في ظل دخل قليل لا يغطي ثمن الخبز شهرياً.
وطبعاً هذا الواقع المتردي لم يمنع بعض المسؤولين من تكرار تصريحاتهم حول التكلفة العالية لتأمين رغيف الخبز جراء فاتورة استيراد القمح الكبيرة، التي بالمقدور تخفيفها عند دعم الفلاح جدياً وتشجيعه على زراعة أرضه بهذا المحصول الاستراتيجي أقله عبر تقديم سعر مجزي يغطي تكاليف زراعته، ما يضمن ضرب عصفورين بحجر واحد أولها الخلاص من داء المستوردات والعودة إلى صناعة الخبز من إنتاج أرضنا وتحقيق الاكتفاء الذاتي، الذي حفظ لقمة عيشتنا وقرارنا بدل السماح لدول بعينها بالاستحكام بمعيشتنا ومنحها فرصة حصارها بأيدينا.
أزمة رغيف الخبز أساسها “التجريب” في معيشتنا في أشد الأوقات حرجاً بتطبيق تقنية البطاقة الذكية، التي لا شك تعد طريقة جيدة لضبط الفساد، لكن اختيار التوقيت الخطأ زاد الوضع سوءاً بدل تحسينه، فهل يعقل اعتمادها في وقت يعاني أغلب المواطنين من أزمات معيشة واقتصادية، وهل فعلاَ هي آلية مجدية في ظل بنية تحتية وتقنية متهالكة وسط تقتين كهربائي قاس تشهدها كل المحافظات السورية، إضافة إلى عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة تبين أعداد أفراد العائلات بدقة، ما ترك المجال مفتوحاً للمتاجرة سواء بالبطاقات الذكية أو سرقة مادتي الطحين والمازوت المدعومتين وبيعها في السوق السوداء و”كأنك يا زيد ما غزيت”.
ومن هنا يمكن القول أن إخراج الخبز من دائرة الخط الأحمر ورفع الدعم عن هذه المادة الأساسية يعد خطأ استراتيجي بالمطلق، فعقلية الجباية في زمن الحروب مهما حصل من أموال لن تكون مجدية، حيث كان واجباً على الحكومة العمل حثيثاً لتأمين مقومات المعيشة الأساسية وأبسطها الخبز بأسعار معقولة ونوعية جيدة والاستمرار في دعم الأسر الأكثر احتياجاً وليس تركها لقدرها واعتماد سياسة “دبر رأسك” وخاصة أن اقتصادنا يملك موارد وخيرات كثيرة رغم الحرب والحصار تحتاج فقط إلى من يجيد استثمارها، وبالتالي الاستمرار في تدعيم سياسة المستوردات على حساب إنتاج محصول القمح محلياً.
يدلل على سوء إدارة أزمة الخبز وعدم اتخاذ إجراءات عاجلة لتدارك تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتقليل من مخاطر ارتدادات توقع حصول مجاعة عالمية بسببها، لذا بات ضرورياً الابتعاد عن إطلاق تصريحات لا تطعم الناس خبزاً وإنتاج حلول مجدية عبر استثمار ميزة أرضنا كثيرة الخيرات والفلاح المتمسك بأرضه على عكس أهل المال ورأسمالهم الجبان، ما يوجب إعادة بوصلة الدعم نحو القطاع الزراعي وتقديم كل التسهيلات المطلوبة لزراعة كل شبر أرض بالقمح وغيره من المحاصيل الاستراتيجية كما كنا سابقاً، فلو رفع سعر القمح إلى 5 آلاف ليرة سيكون ذلك مجدياً أكثر من دفع مليارات الليرات لاستيرادها من الخارج وتحمل عقبات الحصار وتكاليف النقل الباهظة.
فاليوم مصلحة البلاد والعباد أهم من تعبئة جيوب بعض المستوردين والفاسدين ، الذين يدفعون بإصرار جشع صوب تحويلنا إلى بلد مستورد مع أننا بلد منتج حتى لو تركت الحرب ظلالها الثقيلة على قطاعاته المنتجة، التي لا تحتاج سوى إلى أيدي حنونة وخطط قابلة للتنفيذ وإدارات ذكية قادرة على استثمار ثرواته وتحويلها إلى أوراق قوة تقينا شر الحصار وبلاء الحرب وتجارها، عندها سنعود لنأكل رغيف خبز من خيرات أرضنا وليس خبزاً مستورداً رديء الطعم وغالي السعر.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة