“البالة” معادلة ثلاثية الأبعاد ضحيتها المستهلك!!
خاص شبكة غلوبال الاعلامية – بقلم: سامي عيسى
ليس بوسعنا نحن كمواطنين وأصحاب دخول متدنية أن ننظر إلى قطاع (البالة) كأنه قطاع عابر، أو قطاع للمتاجرة بسلع مستعملة تستهدف شريحة بعينها، في ظل ظروف تشتد قساوة يوماً بعد يوم، بل أصبحنا نمعن النظر إليه كحالة انقاذية لمئات آلاف الأسر التي تجد الملاذ الآمن لها لتأمين حاجاتها، وهذه لا تقتصر على الملبس فقط، وإنما تمتد لقضايا معيشية أخرى، وما أكثرها في زمن الحروب والأزمات!!
من هنا نجد أن قطاع البالة على الرغم مما يشكله من أهمية، إلا أنه مازال يعيش حالة صراع كبيرة ما بين مؤيد له ومعارض، وما بين من يسعى لتكريس هذا القطاع وقوننته، وبين من يريد القضاء عليه بكليته رغم الارتفاعات السعرية الغير مسبوقة وخاصة الألبسة بكل أنواعها، مما فرض حالة تخبط واضحة لدى أصحاب القرار والجهات التنفيذية ومن يحمل لواء المعارضة له، وبين الشريحة الواسعة المستفيدة منه سواء مواطنين أم تجار وما يتبعهم في هذا القطاع..!
أما على المستوى الرسمي فإن الجهات المعنية بحماية الأسواق وتأمين مستلزماتها، لها جولات متناقضة في المعالجة، تارة تسمح وأخرى تمنع وفي كثير من المعالجات تلاحق وتضبط وتصادر، ويبقى الأمر كما هو، محال البالة منتشرة في كل المواقع والأماكن، إلى أن وصلت القرى والأرياف البعيدة وسط عملية استغلال واسعة من قبل المتاجرين بها، وتكتفي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بقانونها وعقوباتها الكبيرة، بالملاحقة وعدم الاعلان عن السعر هذا ما تستطيع فعله في ظل مزاجية البيع في المحال التجارية، والتي تختلف من تاجر لآخر، وبالتالي المستهلك يقع ضحية معادلة ثلاثية الابعاد (تجار همهم الربح، وصناعة محلية أسعارها وهمية في جميع حساباتها، ورقابة ضعيفة تفتقد الرقابة حتى على نفسها..!؟
دون أن ننسى قضية مهمة جداً التحول الجذري الكبير في رواد البالة، حيث أصبح روادها من أهل الطبقات الميسورة، والتي تمتلك ملاءة مالية كبيرة، وأظهرت حالة تسابق تقض مضجع روادها من فئات الدخل المحدود، وهذه الظاهرة بدأت بالظهور بصورة واضحة خلال سنوات الأزمة الحالية وما فرضتها من تداعيات سلبية على الجميع..!
وبالتالي هذا التحول ألا يستدعي الاهتمام الجدي من قبل الجهات الوصائية في سورية من البحث في كيفية قوننة هذا القطاع، وإيجاد الأرضية الصحيحة والمناسبة له، وخاصة أنه فرض حالة تسويق جديدة على مستوى السوق المحلية مقارنة مع المنتج المحلي، الذي يقوم أهله بوضع تسعيرة لا تتناسب في معظم الأحيان التكلفة الفعلية، ناهيك عن التلاعب في عناصر الجودة وغيرها، وهذه مسألة تشكل خطورة واضحة على الأسواق والمواطن على السواء، مما يجعل من محال البالة ملاذاً آمناً للمستهلك، وتهديد مباشر للصناعة المحلية..!
وهنا لا نريد أن نشرعن تجارة البالة بقدر ما نريد آلية ضبط صحيحة تأخذ في الاسباب والمسببات، وتحمل مقومات المعالجة لظهور حالة تنافسية بين قطاعين الأول (البالة) له مبرراته في الوجود، ويبحث في أسباب الديمومة، رغم وجود مئات قرارات المنع والملاحقة والمصادرة، إلا أنه باق في الاسواق وتخسر فيه خزينة الدولة مليارات الليرة سنوياً كرسوم وضرائب، لأن حالة تهريبه هي السائدة..!
والقطاع الثاني هو (السلعة المحلية) أي المنتج الوطني الذي يرى في قطاع البالة منافساً شديداً، ويهدده في حالة البقاء مع ارتكاب أخطاء كبيرة في الحسابات المالية والجودة لجهة التكلفة والتسعيرة النهائية التي تحمل ظاهرة الأسعار الوهمية، وهنا تسقط السلعة المحلية بالضربة القاضية، أمام البالة التي تنافس بالجودة والسعر، وهذا الأمر الذي يمتنع الجميع عن البوح به ومعالجته وفق الأصول القانونية، بحيث نحتفظ بقطاعين اقتصاديين كلاهما داعمان للخزينة العامة، وعامل استقرار للسوق المحلية.
والسؤال هنا لماذا الاختباء وراء الأصبع في توفير أسباب المعالجة..!؟ وهل ستبقى قرارات المنع والسماح في ميزان بعض المصالح الخاصة..!؟ نأمل ألا تطول ونشهد ولادة مبكرة لمعالجة تحتفظ بحق الجميع..!
طريقك الصحيح نحو الحقيقة