خبر عاجل
السرافيس وباصات النقل الخاصة ستختفي يوم الجمعة… مدير النقل الداخلي بدمشق وريفها لـ«غلوبال»: مستمرون بالعمل طيلة العطلة وخطوط جديدة ستبصر النور عدوان إسرائيلي يستهدف محيط دمشق الحصول عليها خلال مدة أقصاها 72 ساعة… وزير السياحة لـ«غلوبال»: الفيزا الإلكترونية تشجع القدوم السياحي وتسهل الإجراءات في إطار خطة التحول الرقمي قروض الحرفيين تنعش الآمال في استكمال إنجاز مدينة جبرين لصيانة السيارات… رئيس مجلس إدارتها لـ«غلوبال»: بعد تذليل العقبات الكرة أصبحت بملعب الحرفيين  الوصل ما بين 20 -30 دقيقة فقط… مدير كهرباء طرطوس لـ«غلوبال»: المتاح 74 ميغاواط 16 ألف ليرة الانخفاض في سعر غرام الذهب محلياً… محلل مالي لـ«غلوبال»: سببه هبوط “آني” في الأسعار عالمياً تعهدات أمريكية تقلب الأصدقاء أعداءً ماذا قدّم عمر السومة في الدوري القطري لموسم 2024/2023؟ الطلبة يُغيّرون مسار التاريخ! من الإمارات… كواليس مسلسل الشبكة
تاريخ اليوم
اقتصاد | خبر عاجل | رأي و تحليل | نيوز

أسواقنا تتحول إلى “صندوق الفرجة” .. قاعدتها البيعية.. “ادفع ما أريد لتأخذ ما تحتاج”

خاص شبكة غلوبال الإعلامية – شادية اسبر

“بتنزلي عالسوق”، أول كلمة بعد “ألو مرحبا”، تقولها صديقتي.

سوق؟! أرد باستهجان.

يبدأ الحوار المتكرر في كل مرة: “من وين المصاري؟ لازمك شي ضروري؟ خلينا بالبيت بلا ما نتعذب ونصرف أجور مواصلات، ونشوف شغلات بتوجع، وبالآخر نرجع مقهورين من الأسعار”.

لتنتهي الجدلية بكلمات من قبيل: “أي ولو، مشوار، منتفرج، منحكي، منمشي، منغير جو من البيت والشغل… اشتقنا”، وعلى وقع الكلمة الأخيرة، يتم الاتفاق على موعد اللقاء.

تغيرت أسواق دمشق الخاصة بالألبسة والأحذية، وتغيرت عادات روادها، كما تغيرت عادات بائعيها أيضاً. 

“بتنا ننزل السوق على نيّة السرقة”، تقول صديقتي وتضحك، ثم تكمل: “طبعاً سرقة الوقت.. لحظات متعة نقضيها بصحبة من نحب، نحاول أن نكون سعداء بممارسة طقس التسوق دون أن نتسوق”، لأضيف: طبعاً “حرامية وقت نحنا”، كل شيء جميل نسرقه نحن في غفلة من زمن الصعاب.

في أسواق كالصالحية والحمراء، باب توما والقصاع، الحميدية وتفرعاتها، ازدحام يوحي للزائر أن الحياة وردية، والأسواق عامرة، لتكون الحقيقة عكس المرئي منها.

أمام واجهة كل محل نتوقف، كما يتوقف باقي مرتادي الأسواق، الدهشة بادية على وجوه الجميع، تصدمك واجهات المحلات، بضاعة في أدنى تصنيفات الجودة، وأسعار كاوية بلا رقيب.

مع ضحك ممزوج بغصة، ننظر إلى بعضنا ونقول: “ما في شي حلو”، كلمة سر نترك بعدها الواجهة، ونتحول إلى أخرى، هي حالة إنكار على مبدأ “يلي ما يطال العنب حامض عنه يقول”، بما أن السوق الفني هذه الأيام لهذا النوع من الأغاني.

قليلة هي أكياس البضاعة بأيدي المتسوقين، فقط يحمل بعضهم بواري البوظة، البعض عرانيس الذرة، يصادفك طفل بيده كيس “شيبس”، علبة عصير، لتصادف آخرين كثيرين بلا أي مادة للتسلية في أيديهم، حتى هذا بات عبئاً على الأسرة السورية مقارنة بالأجور.

يتجاوز سعر حقيبة نسائية، يقول البائع إنها مصنوعة من جلد طبيعي، ضعفي راتب موظفة فئة أولى، بينما سعر أردأ نوعية منها، “ع البسطة”، يصل لأكثر من نصف راتبها، الأمر ذاته يُساق على الأحذية والألبسة، ناهيك عن مستلزمات الأطفال التي تتضاعف أسعارها عن مثيلاتها من ملابس الكبار، وهنا اللعب على الوتر العاطفي، لسرقة ما في جيوب الآباء لتأمين كسوة أبنائهم، الجميع يعلم حالة ضعفنا تجاه مستلزمات أولادنا، وحالة قهرنا عندما لا نستطيع تأمين متطلباتهم التي باتت في أقصى حدودها الدنيا.

في مشهد أطفال تجرهم أمهاتهم من أمام محلات الألعاب متجاهلات صراخهن، ألم يفوق التصور، يفوقه ألم مشاهدة عجوز أمام مطعم وجبات سريعة تنظر مشتهية وتغادر.

يستوقفنا حوار في محل لبيع ألبسة مدرسية بين بائع وزبون، مفاصلة بالسعر هي عادة دمشقية وخاصة في محلات الحميدية، تجري “المفاصلة” اليوم بطريقة أخرى، سابقاً كانت النتيجة دائماً لصالح الزبون الذي يفرض بطريقة ما السعر الذي يناسبه، يترك المحل ليتبعه البائع إلى الخارج داعياً إياه للعودة وأخذ السلعة بالسعر الذي قاله، هذا كان في الماضي، اليوم بات البائع لا يجادل، يعمل على مبدأ “عجبك خود ما عجبك لا تاخد”، وهو على يقين بأن بضاعته إن بقيت يوماً آخر فحتماً سيزداد سعرها، الناس لا تشتري إلا حاجتها الضرورية، وهي ستدفع ما يريد لتأخذ ما تحتاج، وهذه نظرية اقتصادية تسويقية حصرية ابتكرتها الأسواق السورية التي من شبه المستحيل أن تجد فيها سلعة واحدة تحمل سعراً واضحاً موحداً في جميع الأسواق، أو حتى في السوق الواحد، فالفوارق كبيرة بين سعر السلعة من محل لآخر، ومن سوق لتاليه، بطريقة لا يمكن فهمها بكل ما صدر وسيصدر من نظريات اقتصادية، تجارية، تسويقية، حتى نفسية واجتماعية.

يشكو أصحاب المحلات من قلة البيع، لكنهم في الوقت ذاته لا يتنازلون عن أسعارهم، يرددون عبارة “ما بتوفي”، بينما يردد الزبائن “ما معنا مصاري بتكفي”، وهكذا هي الحال، الكل يتفرج، أصحاب المحلات على أبوابها يتفرجون على الناس، الذين بدورهم يتفرجون على واجهات المحلات، الكل في دوامة “لا بيعة ولا شروة”، هي أسواقنا أشبه بصندوق الفرجة، حيث الدهشة لمشاهدة صور غريبة عن الواقع تدور أمام نافذة يتجمع حولها المتفرجون بعد أن دفعوا كل ما يملكون، والهدف الحصول على بعض متعة، ليحصدوا دهشة، وفقط الدهشة.

لاشيء ممتع في سوق الفرجة هذا، الذي نقصده لسرقة بعض الوقت، فنجده يسرق وقتنا وما في جيوبنا، ومشاعرنا أيضاً، ليكون الطريق مع صديقتي من السوق إلى البرامكة سيراً مسرعاً، وصولاً  للدخول في معركة الحصول على  مقعد في مواصلات عامة، نعود بواسطتها إلى منازلنا، هو مشوار نهاية المشوار الذي ختامه في كل مرة عبارة “خلص هي آخر مرة مننزل ع السوق”.. نلّوح من بعيد، نتبادل عبارات المحبة والأمنيات، فهي كل ما نملك.

طريقك الصحيح نحو الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *