صك براءة من الكوليرا!
خاص غلوبال ـ علي عبود
لو صدقنا تصريحات المجالس المحلية في المحافظات السورية لكانت سورية واحدة من البلدان التي لم تصل إليها الكوليرا، فعلى مدى أسابيع كنا نقرأ يوميا، وبنوع من التباهي الجازم تصريحات رسميا عنوانها المشترك: “محافظتنا خالية من الكوليرا“!
وكانت هذه التصريحات بمثابة صك براءة للمحافظات السورية من المرض السيئ السمعة الذي يثير المخاوف مثل وباء الكورونا، دون ان تنسى المجالس المحلية وصف الحالات التي استقبلتها المشافي بأنها ليست إلا “حالات اشتباه بالكوليرا“.
ومع توالي هذه التصريحات اللامسؤولة لأعضاء في مجالس الإدارة المحلية، صدقنا فعلا إن “سورية خالية من الكوليرا“، وصدقنا أكثر ان الكوليرا لن “تتجرأ“ بالدخول إلى سورية لأن الوزارات المعنية منعت تقديم الخضار “الحشائش“ في المطاعم ومحال السندويش والوجبات السريعة، كما انها أتلفت المزروعات التي تُروى بمياه الصرف الصحي، وغرّمت من لم يمتثل لأمر منع بيعها في الأسواق!
نعم، كدنا نصدق بفعل التصريحات غير المسرولة إن سورية خالية من مرض الكوليرا، لكن سرعان ماكشف الواقع العكس تماما!
بتاريخ 14/9/2022 فاجأنا المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بتصريح مخالف لتصريحات مسؤولي مجالس الإدارة المحلية: إن الأمم المتحدة في سورية تدعو الدول المانحة إلى تأمين المزيد من التمويل العاجل لاحتواء تفشي الكوليرا في سورية ومنعه من الانتشار!
ورصد مكتب الأمم المتحدة في سورية حينها 20 حالة كوليرا مؤكدة في حلب و4 حالات في اللاذقية واثنتين في دمشق، ما شكل إنذارا لوزارة الصحة دفعها للتعامل مع احتمال انتشار الوباء بسرعة على قدر عال من المسؤولية، كما فعلت ولا تزال تفعل مع وباء كورونا!
والسؤال: من سمح لمجالس الإدارة المحلية بمنح صك براءة بخلو محافظاتها من الكوليرا في الوقت الذي امتنعت فيه مديريات الصحة عن التصاريح، وانشغلت برصد واقع انتشار الوباء ميدانيا؟
المهم ان وزارة الصحة السورية شاطرت المنظمة الأممية قلقها الشديد بشأن تفشي الكوليرا، وبدأت باتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، وببث الإرشادات التي تمنع من انتشار المرض ، وبتوفير العلاج بكافة أشكاله، وبتزويد المستشفيات بمخزون إضافي من العلاج تحسبا لأي زيادة في عداد الحالات التي لاتزال محدودة حتى الآن.
ومع إعلان وزارة الصحة يوم 20/10/2022 بأن العدد الإجمالي التراكمي لإصابات الكوليرا المثبتة بالاختبار السريع في البلاد لم يتجاوز 908 إصابات والوفيات 44 حالة، فهذا يؤكد إن المرض تحت السيطرة بفعل تجاوب المواطنين باتباع إجراءات الصحة العامة وامتناعهم عن شرب المياه غير الآمنة أو تناول الحشائش الخضراء..الخ.
وبما إن سبب الإصابات شرب الأشخاص لمياه غير آمنة واستخدام مياه ملوثة لري المحاصيل، فقد صدرت القرارات الحازمة بمراقبة مصادر مياه الشرب ومنع ري المحاصيل بمياه المجارير!
ومن المهم الإشارة إلى أن سورية كانت خالية على مدى عدة عقود من مرض الكوليرا الذي يصيب أكثر من 1.3 مليون شخص في العالم ، ولولا الحرب الإرهابية التي دمرت البنى التحتية لمرافق المياه والصرف الصحي لما عادت الكوليرا إلى سورية، ولو بأعداد محدودة، ما يؤكد ان وزارة الصحة لاتزال مسيطرة على هذا المرض لمنع انتشاره كما هوحال عدد من البلدان الأخرى.
ونرى ان وزارة الصحة أحسنت بتأكيدها للمواطنين انها تعمل على إصدار تحديث عن الوضع الوبائي حول مرض الكوليرا ونشره عبر منصاتها الرسمية كل 48 ساعة منعا للإشاعات، والأخبار الكاذبة التي تتداولها بعض صفحات التواصل الاجتماعي.
الخلاصة: بما ان وزارة الصحة أكدت أنها المعنية حصرا بالإعلان عن أي مرض أو وباء تحت طائلة المساءلة القانونية لضمان صحة الفرد والمجتمع، فقد توقفت مجالس الإدارة المحلية عن التنافس فيما بينها حول منح صكوك البراءة لخلو محافظاتها من وباء الكوليرا، ولكن هذا لا يمنع من محاسبتها على تصريحاتها اللامسؤولة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة