إعادة تعريف المرتزق
خاص غلوبال- شادية اسبر
في الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، يتم تعريف المرتزق بأنه:«أي شخص يجند خصيصاً، محلياً أو في الخارج، للاشتراك في عمل من أعمال العنف يرمي للإطاحة بحكومة أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما، أو تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما، ويكون دافعه الأساسي هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويحفزه على ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة».
هذا هو التعريف الرسمي الدولي، الذي قرأته بدقة وتمعن وأنا أقرأ أخباراً عن «مظاهرات» لمسلحي ما يسمى «الجيش الوطني»، تطالب الجانب التركي بضرورة دفع «الرواتب المتأخرة»منذ أكثر من شهرين.
الأخبار هذه تثير الضحك والبكاء والاشمئزاز معاً، وتفتح أبواباً للتفكير بكيفية تغير مفهوم المرتزقة، ونحن حكماً هنا تجاوزنا مناقشة المحاولات البائسة الفاشلة للدول الداعمة لهم لتقديمهم تحت مسمى «معارضة مسلحة»، بعد السقوط المدوي لهذا المصطلح مع كل تصرف، وموقف، وجريمة يرتكبونها.
لا خلاف حول تسمية من استقدمتهم الدول التي شاركت في الحرب على سورية من بلدان عدة وأدخلتهم عبر الحدود، بأنهم «مرتزقة إرهابيون» على مختلف مسمياتهم وشعاراتهم، لكن ماذا يمكن تسمية هؤلاء المنضوين تحت مسمى «الجيش الوطني»ولاسيما مع مشاهدتهم وهم يتظاهرون مطالبين بـ «رواتبهم» من الجانب التركي؟.
العشرات من هؤلاء المسلحين لبوا يوم الاثنين 13-3-2023، الدعوات للخروج بمظاهرات، والقيام بما أطلقوا عليه «وقفة احتجاجية عند دوار الدلة في مدينة مارع بريف حلب الشمالي للمطالبة بدفع الرواتب»، وقفوا ورفعوا لافتات أسقطت كل المسميات السابقة التي حاول داعموهم إصباغهم بها.
قبل مظاهرة الاثنين، خرجت عشرات المظاهرات للمطالبة ذاتها، ويؤكد هؤلاء أن حالة تأخير «تسليم الرواتب!» لعناصر المسمى «الجيش الوطني» الذي يسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سورية، قد تكررت، وذهب بعضهم إلى اعتبار هذه العملية مقصودة.
وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، فإن المضحك فيه أنهم مرتزقة «ببلاش»، والمبكي أنهم قاتلوا ضد أهل بلدهم، ليكون ما يثير الاشمئزاز أنهم يواصلون الإجرام حتى وهم لم يقبضوا أجور ارتزاقهم.
فإذا كان المرتزق يجري تجنيده خصيصاً ليقاتل في نزاع مسلح، أو يشارك مباشرة في الأعمال العدائية، كما ورد تعريفه في الملحق الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الموقعة العام 1949،والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، فإن هذا التعريف بات ضيقاً تجب إعادة صياغته، ليناسب الشكل الجديد من المرتزقة الذي نشاهده في المسمى «الجيش الوطني»، الذي قتل ودمّر، سرق ونهب، خطف وقطع الأشجار، تاجر بكل المحرمات، وارتكب كل الموبيقات التي سمعنا عنها وتلك التي لم نسمع، وما زال، ومع كل هذا فشل في إتمام مهامه التي أوكله بها الخارج، وينتظر تُرسل له «الرواتب».
تقول المصادر من داخل المناطق التي يسيطر عليها جيش المرتزقة أن «رواتب» مسلحيه تختلف من فصيل لآخر ومن منصب لآخر، وبطريقة تسليمها أيضاً، وتصل من الجانب التركي إلى «غرفة عمليات» في قرية حوار كلس بريف حلب الشمالي، والغرفة تضم متزعميه، وتعمل بالتنسيق مع القوات التركية.
وفيما يبدو أن للمرتزقة تراتبية فيما بينهم، فهم يسرقون بعضهم البعض أيضاً، الأمر الذي أكده خبر العثور على 4 ملايين دولار في منزل أثناء رفع الأنقاض إبان الزلزال في السادس من شباط الماضي، وتبين لاحقاً بحسب ناشطين أن المنزل لقيادي في «الجيش الوطني»، وقد قتل في أنطاكيا بسبب الزلزال أيضاً، ليكون هذا الكشف جزءاً بسيطاً من المخفي بين أوساط هؤلاء،الذين تقول المعلومات إنه لا يوجد عدد ثابت لهم، إذ قال المسمى «الائتلاف»إن عددهم 80 ألفاً في العام 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد «الشرق الأوسط»، في تشرين الأول 2022، أن العدد من 50 ألفًا إلى 70 ألف مسلح تحت مسمى «الجيش الوطني»الذي شكلته وتدعمه أنقرة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة