استثمار كفاءة الممكن
خاص غلوبال – سامي عيسى
قبل أن نبدأ الحديث والدخول في تفاصيل مانريد الإشارة إليه، نرجو من أهل الكفاءات العلمية ”سعة الصدر“ وألا يفهمونا خطأ، فما نشير إليه مشكلة خطرة مازلنا نعيش تفاصيلها في معظم القطاعات الحكومية السورية، وخاصة الكفاءات الجامعية التي تملك أفكار الحلول ورسم الاستراتيجيات، لكن للأسف الواقع يختلف ويخونها في معظم الأحيان، ليس للابتعاد عن الحقيقية والصواب، بل لأن الواقع يفرض مفرداته بصورة مختلفة، والأهم الظروف هي التي تحدد المسار في كل تفصيل حكومي.
وبالتالي الدخول إلى القطاع العام السوري، وخاصة الإنتاجي، يحكي قصصاً وحكايا وتجارب كثيرة أثبتت فشل إدارة العملية الإنتاجية من قبل الكفاءات العلمية التي تستقدمها الحكومة من حقل الجامعات، وتوليها مهام قيادية وإدارية، والأخطر ”انتاجية“ لإثبات حالة وجود تعتقد فيها تلك الجهات بأنها تشكل خطوة جيدة باتجاه تحديث آلية العمل، والتماشي مع الجديد، والأخطر أن يأتي من غير الاختصاص والخبرة، والتعيين فقط أنه يحمل شهادة علمية تخوله مهام القيادة، وهنا ”مربط الفرس“ الذي نخشاه جميعاً وخاصة الغيورين على القطاعات الإنتاجية، التي فقدت الكثير من انتاجيتها وخبراتها الفعلية خلال سنوات الأزمة، وشكلت حالة هروب جماعية، ساهمت إلى حد كبير في الاتجاه الحكومي نحو تعزيز حالة النقص في القطاع الإنتاجي، من أهل الكفاءات العلمية والكوادر الادارية التي تفتقد لخبرة الإنتاج وزجها في الميدان، الأمر الذي يعوق العمل وتقدم الإنتاج، ليس لافتقاد الكفاءة إلى الأسلوب في العمل، بل لنقص الخبرة الذي تجاهلته الحكومة، والعمل عليه لانتقاء كفاءات علمية وتدريبها على واقع الإنتاج الفعلي، والتعامل مع الإمكانات المتاحة والمتوافرة منها المادية والبشرية، واستثمارها بصورة تتفق مع المكون النظري، وترجمته على أرض الواقع، لا أن تعيش تلك الكفاءات في عالم النظريات، وتبتعد بصورة كلية عن الواقع، الأمر الذي يعيد عجلة الإنتاج إلى الوراء، في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة السورية إلى خطوة تحمل بالضرورة حالة تغيير وإنتاج جديدة تعكس أدنى حالات الإيجابية على الواقع المعيشي.
وبالتالي حديثنا ليس معارضة لتنصيب الكفاءات العلمية في مواقع الإنتاج، بقدر ماندعو لتلافي حالات الخطأ في استبدال الإدارات التي شكلت مخزوناً من المعرفة والخبرة والدراية في تفاصيل العمل الإداري والإنتاجي ووصلت بالحالة الإنتاجية إلى واقع أفضل، رغم قسوة الظروف، وحالة النقص في الامكانات بسبب الحرب الكونية والحصار، والعقوبات الظالمة التي مورست على الدولة السورية ومازالت مستمرة، بكفاءات علمية بعيدة عن إنتاج الواقع والعمل الإنتاجي، والبدء في حالة السباق مع الزمن الذي ”لايرحم المتأخرين“ وأثره السلبي على الإنتاجية، لأن الجديد يدخل في عالم معرفة تفاصيل العمل، والبحث في مكونات الإنتاج، ومعرفة ماهية العملية الإنتاجية، ودراسة العمالة والخبرات وغير ذلك من المكونات المساعدة ليبصر الحقيقة، وهذه تحتاج لوقت طويل، الأمر الذي يفرض حالة ثبات تؤدي لتراجع الإنتاج والإنتاجية، ونحصد الخسارة من جديد.
وهنا المشهد الأخطر، فعندما تبدأ هذه الكفاءة في فهم الواقع وتلم بكافة مفاصل العمل، حتى تأتي عملية الإقصاء والاستبدال، وتبقى عملية الاستبدال المتجددة هي سيدة الموقف..!؟.
نحن لسنا ضد التغيير ولسنا ضد الكفاءات العلمية، بل على العكس نحن بأمس الحاجة لها شريطة توافق الفهم مع الواقع والتأقلم مع الإمكانات، وهذا يمكن تجاوزه من خلال دورات تدريبية، تدخل في عمق الاختصاص المطلوب له التغيير، لا أن نأتي بكفاءة تختص بعلم الجيولوجيا والثروة المعدنية ”على سبيل المثال“ ونحملها مسؤولية إنتاج صناعي أو زراعي وحتى حيواني وغير ذلك.
للأسف الشديد هذا ما يحصل في غالبية التغييرات، الأمر الذي يعوق العملية الإدارية والإنتاجية، ويعيد بعجلة الإنتاج إلى الوراء، أو تفرض حالة ثبات تحمل الكثير من الخسارات، وتآكل رأس المال الحكومي والخاص على السواء، في كافة القطاعات وبقاء الحالة الإنتاجية ومصيرها بأيدي كفاءات ”لا ناقة لها ولا جمل“ سوا أنها اختيرت بصورة غلط أو جاءت بمحض صدفة التغيير أو أسباب مفرداتها من تحت الطاولات، وكل ذلك يشكل خطورة على جسم الإدارة بكل مفرداتها.
والسؤال هنا هل تطول آلية التغيير هذه؟ وهل نصل يوماً إلى تطبيق أهل الخبرة في مكانها ونضع الإنسان المناسب في المكان المناسب..؟!.
مجرد أسئلة ليس مني فحسب، بل من آلاف المواطنين وخاصة العاملين في حقل الإنتاج الذين يعيشون هذه التجارب بصورة يومية..؟!.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة