تخوف في محله…؟!
خاص حلب – رحاب الإبراهيم
يضع المواطن “الغلبان” هذه الأيام “القاحلة” يده على قلبه ولن نقول “جيبه” الفارغة تماماً أو بالأحرى “المنتوفة” بفعل “الخبصة” المتبعة في معالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية، تخوفاً من رفع أسعار السلع كالمشتقات النفطية أو لا سمح الله “الخبز”، الذي أصبح الغذاء الوحيد للكثير من العائلات.
هذا السيناريو المعهود الذي كان أحد أسباب التردي الاقتصادي يطبق عادة عند تفكير الحكوميين في زيادة الرواتب، التي لم تعد تنفع إطلاقاً إلا إذا كانت بمقدار 500% وما فوق، بعد تحليق أسعار كافة السلع إلى مستويات جنونية، جعلت سورية في المراتب الأولى للغلاء والفقر، ولا شك بأن تسلط عملة العم سام على حياتنا، يعد عاملاً جوهرياً فيما وصلنا إليه، لكن أيضاً يصعب تجاهل دور السياسات الاقتصادية الخاطئة في هذه النكبة المعيشية، من دون أن نلمس حتى الساعة أي إجراء أو حتى تصريح يهدأ النفوس المتبعة والخائفة من سرعة انحدار قيمة العملة الوطنية والأجور، التي لم تعد تكفي ليومين فقط، بالتالي أضعف الإيمان خروج مسؤول ما والتحدث بشفافية للرأي العام والإعلان عن خطة معنية لتحسين الواقع المعيشي، الذي وضع على طاولة الحكومة منذ أشهر مع مناقشته وإطلاق وعود بتحسينه.
ومنذ ذاك الوقت مؤشر الأزمات يرتفع يومياً وخاصة عقب الإعلان عن زيادة الرواتب، التي ارتفعت معها أسعار السلع أكثر من 100% من دون إبصارها النور، حيث أصبحت العائلة تحتاج لتأمين احتياجاتها الأساسية أكثر من 3 ملايين بينما فقد الراتب ذو 100 ألف ليرة قيمته كلياً، فكيف تستقيم هذه المعادلة مع صناع القرار، الذين لم يتركوا بالتشارك مع التجار سلعة إلا ورفعوا سعرها أضعافاً، فهل يعتقد الطرفان بأن المواطن قاعد على تلة من المال وبإمكانه السحب منها والصرف بالمقدار الذي يشاء، أوربما يظنون وبعض الظن إثم أنه يملك مغارة “علي بابا” التي لا تنضب حتى مع وجود 44 حرامياً وأكثر.
وطبعاً أكاد أجزم استحالة رفع الرواتب بنسبة 500 %، التي بالكاد تكفي لتسير العائلة شؤونها في ظل موجات الغلاء القاتلة، مع أن كل المطالبات تلوح في هذا الفلك، في ظل الشكوى المستمرة من نقص الإمكانات والموارد، بينما ينفق بسخاء على تنظيم المؤتمرات والاجتماعات والجولات، بالتالي إذا عجز المعنيون عن إيجاد مورد سليم لزيادة الرواتب، زيادة مسعفة لجيوب المواطن والاقتصاد المحلي عبر تحريك الأسواق الراكدة، ننصح بالابتعاد عن تمويلها برفع أسعار السلع المدعومة كالمازوت كما يتخوف أغلب السوريين، فهذا الخيار سيزيد الوضع الاقتصادي سوءاً ويدخل البلاد في نفق يصعب الخروج منه.
وبالمقابل لا ضير من توحيد سعر البنزين، ما يسحب البساط من تجار السوق السوداء، الذين بنوا ثروات طائلة خلال فترة قصيرة، مع تأييد إلغاء الدعم عن مادتي السكر والرز، اللتين تنفق الدولة مليارات الليرات على استيرادهم بينما لا يحصل المواطن على مخصصاته إلا كل “حين ومين” مع ضربه بحجر كبير، وهذا يعني أن هناك ملفاً دسماً يجب أن يفتح وتكشف خفاياه، شرط تعويض المواطن بمبالغ نقدية بمعزل عن زيادة الرواتب، فهذا الخيار كان أحد الخيارات المطروحة حينما اتخذت الحكومة قرارها الجريء والكارثي بـ”عقلنة الدعم” عبر إيصال وفره إلى المستحقين، وهو ما لم يحصل، لكن مع هذه الضائقة المعيشية الشديدة يتوجب تنفيذ ذلك بناء على بيانات دقيقة طالما المعنيون متجهين صوب التحول الرقمي، مع أن الكهرباء لا تأتي في أغلب المحافظات سوى دقائق محدودة، في مفارقة عجيبة غريبة.
تخوف السوريين من قرارات الليل المفاجئة، لدرجة أن البعض يستيقظ ويتفصح “الجوالات” خوفاً من وقوع المحظور، الذي سيعمق حتماً الكارثة المعيشية والاقتصادية وستكون محاولات النجاة أياً كانت الحلول محدودة حتى لو صحح مسار السياسات نحو دعم فعلي للزراعة والصناعة، لذا نستحلفكم بكل ما هو عزيز وتحديداً “كراسيكم” أن تشيحوا بأقلامكم الخضراء عن قرارات رفع أسعار السلع المدعومة لزيادة الرواتب، فجيوب المواطن لم تعد قادرة على تغطية تمويلها كالعادة، علماً بالإمكان تكويلها بطرق أكثر مردودية وأحقية كالتحصيل من جيوب أثرياء الحرب وكبار المتهربين ضريبياً، ومن أموال الفاسدين، فعند حسن إدارة هذا الملف ستحقق عوائدها وفراً جيداً يغطي زيادة الرواتب بنسبة 500 % وأكثر.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة