على خطا التجار… مؤسسة “التدخل الإيجابي” ترفع أسعارها بوجه المواطن؟!
خاص غلوبال – رحاب الإبراهيم
على مبدأ “شر البلية ما يضحك”، يصاب المواطن “الملدوع” بنار غلاء السلع وتحديداً الأساسية، بنوبة من الضحك في قرارة نفسه كلما ترددت على مسامعه تصريحات حول التدخل الإيجابي، ولاسيما أنه لا يرى من المؤسسات المعنية بتطبيق هذه السمة الجميلة سوى شعارات لا تطعم البطون الجائعة أو تضمن شراء الأسرة احتياجاتها كاملة بحيث يكفي الراتب ويزيد.
وطبعاً الأمنية الأخيرة أصبحت من المستحيلات اليوم، مع وجود مؤسسات تهرع مع كل شطحة سعرية إلى رفع أسعار بضائعها كالتجار، وكأنها تقول “ما حدا أحسن من حدا” ضاربة عرض الحائط كل الأحاديث عن التدخل الإيجابي المزعوم، مع أن “الأخ” المواطن كان يتوقع فزعة لنصرته وتعزيز صموده أمام موجات الغلاء الطاحنة، عبر طرح سلع في صالاتها بأسعار أقل تجبر التجار على تخفيض أسعار منتجاتهم، وهذا أضعف الإيمان.
وكالعادة لم ترغب في مفاجأته والخروج عن نهجها المعتاد، حيث سارعت “السورية للتجارة” لرفع أسعار منتجاتها الأساسية، كالرز والسكر والسمنة والزيت لتضاهي أسعار السوق، الذي أعتقد جازمة بأن بعض تجاره خفضوا أسعار هذه المواد بنسب أقل بعد انخفاض سعر الصرف المحدود، بينما ستبقى تباع في صالاتها بسعر أعلى حتى إشعار آخر، في إجراء ينفي صفة التدخل الإيجابي، الذي يُلزمها البيع بأسعار منطقية وتحديداً فيما يخص السكر والرز المدعومتين، فطالما تتوافر هاتان المادتان في مستودعاتها يفترض توزيعهما على الأسر المستحقة في التوقيت المحدد، وضمان حصول كل عائلة على مستحقاتها المدعومة ولاسيما أن الحكوميين لا يكفون عن نخر رأسنا بدفع مليارات الليرات لتأمين المواد المدعومة من دون أن يحظى المواطنون بها إلا كل حين ومين، والسؤال الملح هنا لماذا يحتفظ بهاتين المادتين فترة طويلة في المستودعات لدرجة التعرض للتلف والسوس، بينما يفترض ضخهما بالسوق لكسر الأسعار ومنع تحكم التجار باحتياجات العباد.
رفع السورية للتجارة أسعار منتجاتها في عز الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالسوريين، يدلل على عجز هذه المؤسسة على تأدية دورها المكلف بها رغم أنها تحظى بكل الدعم المطلوب على عكس “الأخ” المواطن، حيث نسمع كل فترة عن منحها سلفة مالية من الخزينة لدعم مخزونها من السلع، من دون أن نرى أي نتائج مثمرة على الخزينة أو السوق أو المواطن، الذي يحاول كل فترة ترميم الثقة مع هذه المؤسسة عبر التوجه إلى صالاتها على أمل إيجاد ما يحتاجه بأسعار مناسبة، لكن غالباً ما يصاب بـ”الخيبة”، التي يحاول تخفيف ثقلها رأفة بنفسه باقتناع داخلي بأن السلع المعروضة في صالاتها لم تصلها عدوى الغش والتلاعب بالمواصفات، إذ لا يعقل أن تصل هذه المؤسسات إلى مستوى بيع سلع مغشوشة أو منتهية الصلاحية وإن سجلت بعض التجاوزات هنا أو هناك.
إخفاق السورية للتجارة وغيرها من المؤسسات الشهبية في تأدية دورها الإيجابي في الأسواق طيلة سنوات الحرب يطرح تساؤلات جوهرية حول أهمية وجودها وتأثيرها الفعلي، ولاسيما في ظل اعتمادها ذات العقلية الإدارية أياً كان رأس هرمها، فحالها قبل الدمج كما بعده، ولاسيما أن الترهل والفساد ينخران بنيتها، وطبعاً نتمنى أن نكون مخطئين، لكن عدم رضا المواطن عن أدائها في موازنة الأسواق وبيع بضائعها بنسب متقاربة مع التجار، يثبت صحة كلامنا، إضافة إلى الفشل في التدخل الإيجابي في المواسم الزراعية، إذ يفترض شراء محاصيل الفلاحين في وقتها بأسعار مناسبة، وتخزينها في براداتها لطرحها في السوق وقت الحاجة لمنع ارتهان الأسواق والمواطن لرغبات التجار ولعبتهم المعهودة، ولنا في محاصيل البصل والثوم والليمون وغيرها أدلة صارخة لا تحتاج إلى توضيح أكثر.
تحويل مؤسسات التدخل الإيجابي إلى مؤسسات تجارية ربحية بالتدريج باستثناء توزيع المواد المدعومة، التي لا يحصل عليها المواطن إلا بقش الأنفس، يوجب إعادة النظر بهيكليتها وآليات عملها، مع إجراء تقييم مستمر لنشاطها وتبيان نقاط القوة والضعف، مع مراقبة كيف تعقد الصفقات مع التجار، الذين تعتمد عليهم في شراء موادها، وكيفية تخزين السلع وتوزيعها من المستودعات على الصالات وفق الصادر والوارد، بغية معرفة مقدار الربح والخسارة، وضمان حق الخزينة، التي تنفق مليارات الليرات لتأمين السلع الأساسية محلية أو مستوردة وليس تسريبها بطريقة أو بأخرى إلى مطارح شخصية ولا من شاف ولا من دري، تحت ستار “التدخل الإيجابي”، الذي بات يعتقد المواطن بأن تفعيله سيكون من جيبه فقط.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة