الحرب المعولمة على سورية هل تحقق ما فشلت في تحقيقه؟
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
هل فرضت العولمة قواعدها على سورية وعلى الدول العربية التي اشتعل بها هشيم الربيع العربي وأصابت الدور الأبوي للدولة في مقتل، ولماذا هذا الألم والفقر ينتقل من دولة إلى أخرى وتتصاعد الشكوى من تونس إلى اليمن مروراً بليبيا ومصر وسورية والعراق حيث بات هم المواطن تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش.
يقولون إن العولمة ظاهرة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية تحول العالم إلى قرية صغيرة تسود فيها حرية انتقال الأفكار ورؤوس الأموال والبضائع والأفكار، وتلغى الخصوصية لعادات وتقاليد المجتمعات، ويضعف فيها دور الحكومات والدول ليفرض السوق ومبدأ العرض والطلب قوانينه التي لاحاجة لأحد بمراقبتها.
في سورية قاومت الدولة كل أشكال الضغوط التي مارسها الاتحاد الأوروبي منذ تسعينيات القرن الماضي لرفع الدعم وتعويم أسعار الطاقة والخدمات الصحية والتعليمية، ولتخفيض الرواتب التقاعدية تماشياً مع قواعد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية.
وتعثرت مفاوضات اتمام الشراكة الأورومتوسطية لأن الدولة السورية كانت مصرة على الحفاظ على ضوابط تحمي خصوصية المجتمع، وترفض إلغاء الدور الأبوي للدولة أو إلغاء الدعم عن المواد الأساسية وعن حوامل الطاقة، لكن ما الذي استفدناه من ذلك؟.
ما استفدناه كبير جداً جداً في الحفاظ على مواطن يبحث عن الحلول في إطار جماعي ويرفض الخلاص الفردي وتتقلص لديه حجم (الأنا)، ويصبح ترتيب الأولويات(الوطن المجتمع الأسرة الفرد، وأنا هنا لاأتحدث عن شريحة قليلة قد تفعل عكس ذلك)، بينما تفرض العولمة تقديم حرية الفرد ومصلحته على أي شيء آخر، ومن خلالها تتحقق مصالح المجتمع والدولة.
في العولمة يسود الأقوى ليفرض ثقافته وقوانينه وحريته في استباحة الآخرين سياسياً واقتصادياً وفكرياً، وكانت البداية من إشعال النار في الهشيم العربي لتحطيم خصوصية الدول وتفكيك الروابط بين الفرد والأسرة والمجتمع وإنهاء الروابط والأهداف التي كانت تشكل قواسم مشتركة أو قضايا مركزية يسعى الجميع لخدمتها وعدم الخروج من مدارها.
هي حرب ضروس معولمة لتفكيك المجتمعات، ولإنهاء القواسم والأهداف المشتركة والروابط حتى الروابط الأسرية، وقد لاحظنا بأن الأخ كان يقتل أخاه أو أمه أو أباه بخناجر التطرف الداعشي القاعدي، وهذا السلوك لايستند إلى خلفية دينية وإنما إلى تشوهات فكرية عملت على تغذيتها الإمبريالية العالمية منذ ولادة تنظيم القاعدة على يد المخابرات الأمريكية وبتمويل فوائض أسعار النفط.
كانت الهجمة على سورية هي الأشرس، وكان من المتوقع إسقاطها بثلاثة أشهر، لكن المحاولات فشلت وبقي الدور الأبوي للدولة وبقيت مظلة الدعم تحمي الملايين من الفاقة رغم ماخلفته الحرب من خراب مادي وفكري وقيمي، ومن الطبيعي أن تتراجع قدرة الدولة في مجال الدعم لكن الخطر والخطر جداً أن ننزع مظلة الدعم بالكامل، وأن نعوم أسعار حوامل الطاقة، لأن تعويمها يعني تعطيل حركة الإنتاج الزراعي والصناعي وارتفاع تكاليفه وازدياد حالات الفقر المدقع وفقدان الأمل في تحسن الظروف وعلى مختلف المجالات، وهذا ما لايريده أحد فهل يتم التراجع عن القرارت الخاطئة أم إن العولمة فعلت فعلتها في عقول البعض وبات الخلاص الفردي هو الهدف وأن انتصارنا على الإرهاب لم يترافق مع انتصار مجتمعي يحافظ على الدور الأبوي للدولة ويحصنها أمام أخطار ما زالت تهددنا على مختلف المستويات؟.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة