تداعيات الحرب في أوكرانيا على سورية
قرعت طبول الحرب في أوكرانيا ولكن صداها سمع في جميع أنحاء المعمورة، وخلال ساعات قليلة بدا العالم كله مصطفاً فيما يهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة.
لن نخوض بالسياسة ولكن الحرب في أوكرانيا تسير بمسارات عسكرية وسياسية واقتصادية متناغمة مع بعضها.
اقتصادياً هناك جملة إجراءات وعقوبات على روسيا غير مسبوقة في التاريخ المعاصر شملت شركات الطيران والسفن والموانئ والتحويلات المالية وأنظمة الخدمات البنكية والإعلام وحتى الرياضة لم تسلم من العقوبات في دلالات واضحة على شراسة الحملة على روسيا.
سورية خاضعة لعقوبات تحت قانون قيصر ولكن باعتقادي ستزداد تأثيرات الحرب على الاقتصاد السوري في عدة نواحي:
القمح: مع اندلاع الحرب في أوكرانيا ظهرت أرقام مخيفة حول مدى اعتماد معظم الدول العربية على القمح الأوكراني والروسي في توفير رغيف الخبز مع توقف شحن الحبوب من المرافئ الأوكرانية بعد اندلاع الحرب وتأثر المرافئ الروسية بالعمليات العسكرية القريبة منها، إضافة إلى فصل عدد من البنوك الروسية عن نظام سويفت للدفع وتمويل التجارة العالمية ترجح غالبية التوقعات حدوث نقص عالمي في الإمدادات خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة على الأقل، وسورية التي تعتمد بشكل كلي على استيراد القمح الطري وتصدير القمح القاسي ستكون من أكثر الدول المتأثرة في ظل ازدواجية العقوبات علينا وعلى الدول الحليفة.
الغاز المنزلي: تعتمد سورية بشكل كبير على استيراد الغاز المنزلي لتغطية احتياجاتها من الغاز كون الإنتاجي المحلي لا يغطي إلا جزءاً بسيطاً من احتياجات السوق المحلي، ويتوقع مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية حدوث أزمة توريدات متأثرة بعوامل عديدة أبرزها:
العقوبات والعقوبات المضادة على السفن والمرافئ، ارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل كبير عالمياً، ارتفاع تكاليف النقل في ظل الحروب والأزمات.
السلع الاستهلاكية الأساسية: ستتأثر السلع الغذائية الأساسية بالحرب لعدة أسباب أولها ارتفاع سعر الصرف إضافة إلى ارتفاع الأسعار عالمياً وأزمة النقل نتيجة العقوبات والعقوبات المضادة، وستكون الحرب في المرحلة القادمة شماعة للكثير من تجار الأزمة لتغطية رفع الأسعار بشكل غير منطقي بحجة العقوبات ودفع مصاريف اضافية لتأمين المواد.
أكثر ما ستواجهه الحكومة السورية هو قضية شح الموارد في هذه المرحلة وهنا يجب اتخاذ إجراءات جذرية فعالة متمثلة بـتخفيض الإنفاق غير الضروري وحتى إيقاف بعض القطاعات غير الضرورية وغير المنتجة في هذه المرحلة.
أخيراً نقول، وقد لايروق هذا الكلام للبعض- الحرب طويلة بل طويلة جداً وليست مسألة أيام فروسيا بداية تحاول حماية أمنها القومي قبل وصول قوات الناتو إلى حدودها ومن ثم تحاول استعادة النظام العالمي ثنائي الاقطاب المفقود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية تحاول جر روسيا إلى منزلق طويل تستنزف معه كل ما حققته روسيا في السنوات الماضية وقطع الطريق عليها للصعود إلى قيادة العالم الجديد اعتماداً على تحالفاتها الاستراتيجية الأساسية مع الصين، ولنكن واقعيين هزيمة أي طرف ستغير شكل العالم على حسابه وبالتالي الحسابات هنا دقيقة ودقيقة جداً وكلا الطرفين لم يرمي بأوراقه بعد وبالتالي مسألة التقدم العسكري أو الخسائر البشرية تقع في أخر أولويات الطرفين.
في سورية تفرض علينا ظروف الحرب اتخاذ اجراءات جذرية وجريئة وقد تكون قاسية تتضمن السيطرة على موضوع القمح والطاقة والمواد الغذائية الأساسية من خلال ضبط الاستهلاك لضمان كفاية المخزون أطول فترة ممكنة وتحويل بعض الاعتمادات غير الضرورية في الموازنة العامة لموضوع ضمان استقرار أسواق القمح والطاقة والسلع الغذائية الاساسية منعاً للانزلاق في أزمة جديدة نتيجة الظروف الراهنة، فسورية طرف أساسي في الحرب لاعتبارات عديدة أولها التحالف الاستراتيجي مع الروس إضافة إلى أن الاصطفاف شمل جميع دول العالم تقريباً يضاف إلى ذلك أنه وبسبب التشابكات الاقتصادية الدولية جميع دول العالم تقريباً طرف بشكل أو بآخر بهذه الحرب التي يمكن أن تتوسع لحرب عالمية ثالثة أو تعتبر حرباً باردة جديدة على أقل تقدير.
موقع المشهد _ عدنان صلاح اسماعيل
طريقك الصحيح نحو الحقيقة
