تعهدات أمريكية تقلب الأصدقاء أعداءً
خاص – محي الدين المحمد
لم يعد أحد يجهل نوايا واشنطن ومخططاتها في المنطقة، بل من العار ألّا يفهم الجميع الأهداف الحقيقية من زيارات وزير الخارجية الأمريكي المتتالية والمتقاربة على وقع حرب الإبادة الدموية التي تشنّها “إسرائيل” منذ نحو السبعة أشهر تقريباً؛ فوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وحل الدولتين، آخر ما تفكر به واشنطن التي لم تنفذ شيئاً سوى مدّ “إسرائيل” بكل ما تحتاجه من أسلحة التدمير والقتل، إضافةً إلى دعم مجرمي الحرب فيها بغطاء السياسي لحمايتهم، ومن ثم وضع الكرة الملتهبة في ملعب المقاومة الفلسطينية، مع محاولة إيهام العرب بأن إيران الشقيقة والصديقة للعرب هي “العدو” و”المسبب” لأزمات المنطقة، وأن التطبيع مع “إسرائيل” وحده ما “يؤمّن” الضمانات الأمنية للسعودية والخليج عموماً، مع مساعيها أيضاً لتشكيل حلف دولي يضم “إسرائيل” مع أمريكا والغرب ودول الخليج ضدّ إيران التي تربطها علاقات تاريخية متجذرة مع دول المنطقة، وفتحت صفحة جديدة معها عبر إنهاء حالة القطيعة بينها وبين السعودية برعاية صينية.
إن بلنكن يحاول تعكير حالة الوفاق هذه، وغرس قناعة جديدة ترضي نوازع واشنطن العدائية ضدّ شعوب الشرق الأوسط، مع إعادة المنطقة إلى ما قبل التطبيع السعودي- الإيراني، وإبقاء المنطقة كأكبر مشترٍ للسلاح الأمريكي تحسباً للحروب، ولحرف النظر عن خطر “إسرائيل” الذي يقلق الضمائر الحية حول العالم بأسره.
لقد حضر بلنكن اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، واستمع إلى مطلب المجتمعين، وخاصةً وقف إطلاق النار في غزة وحماية المدنيين وإدخال المساعدات، فيما تواصل “إسرائيل” قصف المدنيين فيها، لكن يبدو أن كرة النار المشتعلة في المنطقة ستبقى كذلك طالما بقي بعض العرب يعتقدون أن واشنطن تريد لشعوب المنطقة الأمن والسلام، مع أنها لا تدّخر وسيلة لزعزعتهما في كل مكان من هذا العالم.
إن تحركات واشنطن اللاهثة تتمحور الآن وفي كل وقت مضى، فقط حول ضمان سيطرتها الكاملة على منابع النفط العربي، وطرق الملاحة والمضائق، وحماية “إسرائيل” مع ضمان تفوقها على دول الإقليم، إضافةً إلى منع أي تحالفات بينية إقليمية أو حتى التوجه شرقاً أو تنويع التحالفات، عبر اصطناع صراعات وبؤر توتر بين الأشقاء والأصدقاء، والتظاهر كالعادة بـ”محاربة الإرهاب”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة