إعلامي سوري: الموظفون الفاسدون يحاربون تطبيق الأتمتة خوفاً على مصالحهم
“لأول وهلة يبدو أن تطبيق الأتمتة الحاسوبية في الإدارات العامة وأيضاً في إدارات الشركات والمؤسسات الخاصة، وغير الحكومية إلى جانب أنه يسهل ويسرع العمل ويقلل الاعتماد على العامل البشري، يساهم في ضبط الهدر والفساد وحتى سوء الإدارة، إذ أن كل البيانات وكل القرارات والموافقات الإدارية وكل العمليات المالية يتم تسجيلها حاسوبياً، ضمن قاعدة بيانات، ويمكن استخراجها بالطريقة التي يريدها المدير أو المدقق بسرعة كبيرة، بالتفاصيل أو بشكل إحصائي، وهذا يكشف عن وجود أي خلل أو نقص”، بهذا بدأ الصحفي رامي فيتالي مقالته في موقع سناك سوري “هل تساعد الأتمتة في القضاء على الفساد”؟ حيث قال:
“ولكن من جهة أخرى اعتماد الأتمتة له مشاكله الخاصة، فمن يُدخل البيانات ويعدل فيها ويحذفها هو في النهاية عامل بشري، ويمكن أن يقوم بعمليات تزوير وتغيير بيانات لصالحه أو لصالح شخص آخر، ويمكن أن يتم ذلك بذكاء وحرفية بحيث لا يترك آثاراً على هذا التغيير. هذا من الأمور التي جعلت حتى الدول المتطورة تقنياً تتأنى في اعتماد عمليات الأتمتة الكاملة في بعض العمليات، مثل الانتخابات.
إلى جانب التزوير المقصود، يمكن مثلاً نتيجة إهمال متعمد أو تخريب متعمد أن يتم فقدان البيانات نتيجة تعطل أو تخريب وحدات التخزين، سواء بشكل مادي مثل حالة نشوب حريق، أو بشكل برمجي، مثل التعرض لفيروس برمجي، وفي مثل هذه الحالات يصعب معرفة الفاعل وإذا ما كان الإهمال عمداً أو جهلاً.
ربما سمع بعضنا أحياناً أخباراً بأن بيانات معينة يتم تغييرها في سجلات الدولة الإلكترونية مقابل مبالغ مالية، وبغض النظر عن صحة هذه الأخبار، ذلك ممكن وممكن جداً إن لم تتم دراسة النظام المعلوماتي وتطويره من الناحية الأمنية بطريقة صحيحة، ويكون عندها الإبقاء على الوثائق الورقية والتواقيع اليدوية أفضل وأكثر أماناً.
من أهم شروط ضمان أمان المعلومات في النظم المعلوماتية هو وجود سجل بكل العمليات، أي بيان المستخدم الذي قام بإدراج بيانات أو تعديلها أو حذفها، ومن أي جهاز، مع الاحتفاظ بنسخة عن البيانات قبل التعديل أو الحذف. هذا الأمر مشابه لوجود اسم الموظف وتوقيعه في المعاملات الورقية، ولكن في الأنظمة المعلوماتية من الممكن أحياناً التلاعب بسجل التعديل نفسه طالما أنه مجرد بيانات مخزنة في قاعدة البيانات، ولهذا يجب ألا يسمح النظام للمستخدمين بالتلاعب بسجل التعديل بأية طريقة.
ذلك يجعل النظام البرمجي المطور خارج الشركة له أفضلية على النظام البرمجي المطور ضمن الشركة، فالقسم البرمجي داخل الشركة قادر على تعديل أية بيانات طالما لديه أساساً الصلاحيات والإمكانيات لتطوير النص البرمجي نفسه، ولهذا هو قادر على التلاعب بسجل التعديل أو السماح لبعض الموظفين بالتغيير دون ترك أثر.
ما يغيب أحياناً كثيرة عن ذهن مدراء الشركات والمؤسسات أن تحقيق أمان البيانات يجعل أيضاً الاعتماد على برنامج جاهز ومتاح للتحميل أكثر أماناً من طلب برنامج مطوّر خصيصاً للشركة أو المؤسسة من قبل شركة ثانية، لأنّه من الممكن لموظفين من الشركة أو المؤسسة التي تستخدم النظام الاتفاق مع الشركة المطوّرة للنظام لفتح باب خلفي يمكنهم من التعديل بالبيانات دون ترك أثر. يمكن تحقيق ذلك بأن تجعل الشركة المطوّرة نظامها متاحاً للتحميل والتحديث من الإنترنت في أي وقت بشكل مجاني ولكن مع ميزات غير مفعلة لا يتم تفعيلها إلا بعد توقيع عقد ترخيص استخدام المنتج البرمجي عن طريق تزويد المشتري بمفتاح تشفير خاص.
هذا الإجراء يفيد في التسويق وفي تحقيق الأمان أيضاً، إذ عندها يمكن تحميل البرنامج أو تحديثه في أي وقت ما يقطع الطريق على إمكانية وجود اتفاق بين بعض موظفي الشركة أو المؤسسة والشركة المطوّرة.
لنأخذ مثلاً سجلات المحاكم في سورية، معظم هذه السجلات غير مؤتمتة، وهذا إلى جانب التسبب بالتأخير والعرقلة للإجراءات العدلية سواء كان ذلك على القضاة أو المحامين أو المتخاصمين، يسمح ضعف الأتمتة بالكثير من التلاعب.
مثلاً إذا كان أحد الطرفين المدعي أو المدعى عليه، مؤسسة عامة يمكن لمدير فاسد فيها أن يتغاضى عن تحقيق مصلحتها، فإذا تم نسيان الدعوى أو إهمالها لأجل غير مسمى قد لا يلحظ أحد ذلك بغياب الأتمتة.
أيضاً وجود البيانات في سجلات ورقية يمكن للمتخاصمين أو محاميهم الوصول إليها مادياً، يسمح بسرقتها أو تخريبها بسهولة، هذا غير ممكن في حال كانت البيانات تخزن إلكترونياً وفي أكثر من مكان على التوازي، وهي سياسة تقليدية متبعة لدى المؤسسات الحريصة على أمن بياناتها.
إذاً هل تساعد الأتمتة في القضاء على الفساد؟ الجواب نعم شرط دراستها وتنفيذها بشكل صحيح من ناحية أمن البيانات.
في الواقع هذا جواب مؤسف جداً، كون أنه يجعل الكثير من الموظفين الفاسدين ومن مختلف المستويات يحاربون تطبيق الأتمتة بطريقة صحيحة خوفاً على مصالحهم، وذلك سواء في المؤسسات والشركات العامة أو الخاصة، ويبقي بالتالي على ضعف الأداء والإنتاجية وضعف القدرة على المنافسة”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة