يرفعون الأسعار لكسر القرار!
من المنطقيّ لدى كلّ من يمتلك ذرة عقل أن يدرك تماماً أن الآثار، سواء التي بدأت ملامحها بمجرد التلويح برفع الدعم– عند من تيقن أنه سيكون خارجه– أو التي استتبعته مباشرة، أو التي ستتبعه لاحقاً، عن عدة شرائح وليست واحدة، شملها الرفع، لا يمكن أن تُهمل ويتمّ تجاوزها، لأنها برأينا أخطر وأكبر أثراً من قرار الرفع نفسه، وإذا ما تمّ هذا الإهمال والتجاوز – ونقولها بصراحة– فسيكون حال الحكومة كحال أبي زيد الذي كأنه لم يغزُ!!.
طبعاً، المُستبعدون من الدعم ليسوا من شريحة واحدة ولا مهنة واحدة، والأهم ليسوا كلهم بالمستوى الاقتصادي والملاءة المالية نفسها، بل إن هناك ضمن شريحة المستبعدين شرائح اقتصادية واجتماعية وحتى فكرية، تشكل كل منها كياناً بحدّ ذاته، سيتحكم في ردات فعلها– المباشرة وغير المباشرة –تجاه القرار، ضرورات هي برأيهم تُبيح ما يُقاربونه من محظورات.
هنا ستعمد تلك الشريحة أو بعض منها، إلى العمل بموجب “الغاية تبرّر الوسيلة”، وخاصة الشرائح التي “شورها من راسها”، لأنها ببساطة تكون قادرة على اتخاذ وتنفيذ وتطبيق الغاية، وهي رفع أسعار منتجاتها أو خدماتها لاسترداد ما تعتبره سُلِبَ منها، انطلاقاً من قناعتها التامة “وهنا الطامة الكبرى”، بأن ما استُبعِدت منه غير منطقيّ، علماً أنها تمتلك القوة المالية وتتمتّع بالقدرة الشرائية والترفيهية بنجومها السبع.
وفعلاً كما توقعنا تمّ، واسمح لنا هنا من باب الدليل المهني، أن نحدّد بعض شرائح لجأت حتى ما قبل قرار رفع الدعم عنها، إلى رفع أجور معايناتها الصحية، كالكثير من الأطباء، رفع بمعدل الضعف أو النصف ضعفاً! وكحال الكثير من الأطباء كان حال العديد من التّجار والصناعيين، الرفع للأسعار والكسر لقرار الدعم وعلى طريقة كل منهم وشطارته.
هنا واستناداً لكوننا مواطنين عامة ومستحقين للدعم خاصة، نضع برسم الحكومة هذا المقال واعتباره شكوى “رسمية” لمعالجة هذا الوضع الشاذ، والتوجيه للوزارات المعنية بإصدار القرارات التي تحدّد قوائم الأسعار الخاصة بكل مهنة ونشاط، تحت طائلة المُساءلة القانونية والمالية.
فعلى سبيل المثال، لغاية الآن لم تُصدر وزارة الصحة التسعيرة التي يجب أن يلتزم بها الأطباء حسب كل اختصاص، لذلك ليس مستغرباً إن عمدوا إلى رفع أسعارهم، طالما ليس هناك أي ضابطٍ لذلك!!.
عندما سُئل وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن أرباب وأصحاب المهن، وعدم تقيّدهم بالأسعار، كان ردّه: إن هؤلاء يرفعون أسعارهم كلما كانت هناك زيادة أو تغيّر اقتصادي ما، وبالتالي لا يستحقون الدعم.
وبدورنا نقول: إن بقاءهم بتلك الحالة “الفلتانية”، ومن دون رقيب وحسيب، هو دعم ما بعده دعم! وبالتالي ما استُرجع منهم من دعم سينالونه ويعوضونه ربما أضعافاً مضاعفة، وبذلك تدور الدائرة على من يفترض بهم أن يصبحوا في منطقة أمان الدعم، ليصبح من استُبعد نظرياً من الدعم، هو المدعوم فعلياً!!
طريقك الصحيح نحو الحقيقة