الحكومة تتباهى بأجورها الرخيصة و تُشرعن راتب الحد الأدنى للفلافل!
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم: علي عبود
توحي الجهات الحكومية وخاصة وزارة المالية أن الإمكانيات لاتسمح برفع الرواتب والأجور إلى الحد الذي يؤمن مستلزمات العيش الكريم لملايين الأسر السورية.. فهل هذا صحيح؟
قد يكون ما تقوله الحكومات المتعاقبة أكثر من صحيح في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد منذ عام 2011.. ولكن ماذا عن سنوات الوفرة والازدهار؟
عندما كان النمو الإقتصادي لايقل عن 5%، وعندما كنا نصدّر النفط والقمح والقطن والفوسفات، والكثير من المنتجات، وكان لدى المصرف المركزي احتياطي لايقل عن 17 مليار من القطع الأجنبي، مع صفر مديونية.. هل منحت الحكومات المتعاقبة أيام العز والرخاء حدا أدنى من الرواتب يؤمن مستلزمات العيش الكريم لملايين العاملين بأجر؟
من المؤسف القول إن حكومة تسعينات القرن الماضي وبعد صدور قانون الإستثمار عام 2001 بدأت تتباهى بالعمالة السورية الرخيصة بل وخفضت قدرتها الشرائية بشكل تدريجي وممنهج على مرأى من التنظيم العمالي ، وفي حين تتباهى دول العالم بما تمنحه لعمالتها من أجور عالية، وتتباهى بما تتمتع به هذه العمالة من كفاءات وخبرات نادرة.. فإن حكوماتنا المتعاقبة كانت تتباهى بعمالتها الرخيصة حتى عام 2011 على الأقل، وبأن ما من دولة في العالم تنافسنا في رخص عمالتنا، بل ذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك عندما جعل من العمالة الرخيصة في سورية.. أحد أهمّ عناصر جذب الاستثمارات الخارجية.
نعم.. لقد توقفت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 عن التباهي بأجورها الرخيصة علنا، لكنها لم تتوقف عن تخفيض قدرتها الشرائية، فقرارات رفع أسعار المحروقات مؤخرا وقبلها تعديل سعر الصرف ورفع أسعار مستلزمات الزراعة والصناعة هي بمثابة رسالة حكومية لملايين العاملين بأجر: سنستمر بتخفيض دخلكم أكثر فأكثر.
وأدى هذا التخفيض المستمر وعلى دفعات متقاربة جدا إلى حد لم يعد يكفي فيه الحد الأعلى للرواتب لشراء حاجة الإسرة من الغذاء حتى لو اقتصرت الوجبة اليومية على الفلافل!
السؤال الذي لم تجب عليه أي حكومة خلال
العقود الثلاثة الماضية: لماذا أجر العامل دائما أقل بكثير من أسعار السلع الأساسية الضرورية للحد الأدنى من المعيشة؟ بل ماهذا الصمت المريب بعدما وصلنا إلى راتب لايؤمن الحد الأدنى من الفلافل لملايين الأسر السورية؟
وبعدما سعّرت وزارة التجارة الداخلية سندويشة الفلافل بـ 2000 ليرة، فإن من حق كل متخرج جامعي ان يطالب عند بدء التعيين بأجر لايقل عن “راتب الفلافل” باعتبارها المادة الغذائية الأرخص!
بل يمكن القول إن الحكومة من خلال نشرات التسعير الدورية التي تصدرها وزارة التجارة الداخلية قد “شرعنت” راتب الحد الأدنى من الفلافل، ونستنتج من نشرات تسعير الوزارة انها ترجمة لتوجهات الحكومة الصريحة والمباشرة: راتب بدء التعيين للخريج الجديد لن يشتري أكثر من 1.5 سندويشة فلافل يوميا، وتتضمن نشرة التسعير “الإسترشادية” التي لن يتقيد بها أي محل سندويش شعبي وليس “هاي لايف” رسالة تحذيرية للعامل بأجر: أياكم والتفكير بشراء سندويشات أخرى كالمقالي والدجاج حرصا على توازن الدخل مع الصرف.
أما إذا أراد المواطن أن يرتقي بعيشه اليومي وينتقل إلى مرحلة البذخ كأن يعتمد على سندويشتي شاورما صغيرة يوميا فيجب أن يكون من أصحاب الخبرات والمهارات المطلوبة بشدة في القطاع الخاص كي يستحق راتبا يتجاوز 240 ألف ليرة شهريا يتيح له شراء الشاورما بدلا من الفلافل، وحتى إذا تقيّد أصحاب محلات السندويش بتسعيرة وزارة التجارة الداخلية.. فإن دخل العاملين بأجر لن يتيح تصنيفهم باصحاب رواتب الفلافل فما بالك براتب الشاورمأ؟
لنفترض بان العاملين بأجر ليسوا مبذرين واكتفوا بتناول سندويش الفلافل بالخبز السياحي لابالصمون.. ولنفترض كذلك أن المواطن قنوع جدا يرضى بأقل من حاجته من الغذاء، ويكتفي بتناول سندويشتين فقط يوميا.. ولنفترض أن متوسط عدد أفراد الأسرة السورية أربعة أفراد بعد هذه الفرضيات.. ماذا سنكتشف؟ وسطي حاجة الأسرة الواحدة من الفلافل لا يقل عن 480 ألف ل س شهريا دون تناول أي مادة أخرى.. أي بدون شاي أو(كازوزة)، بالطبع ليس هناك من أسرة يمكنها ان تكتفي بالفلافل لوحدها، ولكنه مؤشر واقعي جدا اننا أمام راتب لايؤمن للأسرة إلا الفلافل! بل مامن أسرة مكونة من أربعة أفراد يمكنها التمتع براتب (الفلافل) إلا إذا كان جميع أفرادها يعملون بأجر وبما لايقل عن 120 ألف ليرة للفرد الواحد ، ولن نضيف تكاليف أخرى كالسكن، والنقل والملبس، والأدوية، وفواتير الخدمات من موبايل وانترنت وكهرباء.. لأننا سنكتشف أننا امام معجزة لايمكنها الإجابة على السؤال: كيف تعيش الأسرة السورية بفعل إصرارا الحكومات المتعاقبة على اعتبار أفرادها عمالة رخيصة؟
طريقك الصحيح نحو الحقيقة